كما كان متوقعاً، فقد اتخذت مجموعة «أوبك+» في اجتماعها الأخير قراراً بتخفيض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو ما أشرنا إلى إمكانية حدوثه في حالة انخفاض الأسعار إلى ما دون 90 دولاراً للبرميل، مما أثار حفيظة الدول المستهلكة للنفط دون أسباب مقنعة، خصوصاً وأن هناك فائضاً في المعروض ناجماً عن تباطؤ النمو في العديد من البلدان المستهلكة الكبيرة، مما يستدعي خفض الإنتاج للمحافظة على أسعار عادلة تتناسب ومعدلات التضخم المرتفعة في العالم. 
وقد صدرت العديدُ من التصريحات عن مسؤولين غربيين، بعضُها كان قاسياً بصورة غير مبررة، فالأمر لا يحتمل كل هذه التأويلات ذات الطابع السياسي، والموضوع قبل كل شيء تجاري بحت يتعلق بالمحافظة على المصالح التجارية والاقتصادية في ظل وضع اقتصادي عالمي يزداد تأزماً بسبب عوامل عديدة، ساهمت البلدان المتقدمة في البعض منها. 
لماذا تعتبر القضية تجارية بأبعادها المصلحية؟ كما هو معروف، تسود العالَمَ معدلات تضخم غير مسبوقة تجاوزت 10% في بعض الدول الأوروبية، والتي تستورد منها الدول المنتجة للنفط الكثير من السلع والخدمات، مما أدى لارتفاع كبير في أسعار السلع الأوروبية المستوردة، كالسيارات والآلات والمعدات والمواد الغذائية وغيرها. كما ارتفعت أسعار السلع المستوردة من بقية دول العالم، وهو ما أدى إلى «التضخم المستورد»، والذي ساهم في ارتفاع الأسعار في البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، علماً بأن نسب التضخم في دول المجلس أقل كثيراً من مثيلاتها في بقية بلدان العالم الأخرى بفضل بقاء أسعار الطاقة منخفضةً، وهو ما حد من معدلات التضخم. 
إذن، بأي منطق ووفق أي اعتبارات تجارية ترتفع واردات الدول النفطية بنسب كبيرة، في الوقت الذي يطلب منها زيادة الإنتاج لتخفيض أسعار صادراتها؟ ذلك لا يتّسق مع أبسط المعايير التجارية الدولية، إذ إن حدوث ذلك سيؤدي إلى انتقال الأزمة إلى البلدان المصدرة للنفط بسبب ارتفاع عجزها التجاري وإمكانية ارتفاع عجوزات الموازنات السنوية وتأثر أوضاعها الاقتصادية وزيادة معدلات التضخم. والحقيقة أن جزءاً من العائدات النفطية يعاد ضخه للدول المستهلكة من خلال ارتفاع أسعار صادراتها للبلدان النفطية والتي تستورد معظم احتياجاتها. 
والمسألة هنا تتعلق بالمصالح بدرجة أساسية، كما أشار وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قائلاً: «تَهمُّنا أولاً وأخيراً مصالح المملكة العربية السعودية ثم مصالح الدول التي وثقت بنا»، إذ لا يمكن أن تدافع عن مصالحك وتطلب من الآخرين عدم القيام بذلك! وهذا علماً بأن ارتفاع معدلات التضخم في الغرب لا يرتبط بأسعار الطاقة فحسب، وإنما بعوامل أخرى تتعلق بتداعيات جائحة «كوفيد-19» وببعض السياسات الخاطئة الخاصة بالتأخر في رفع أسعار الفائدة. 
والحقيقة أن سوق النفط العالمي لا تعاني نقصاً في الإمدادات، وإنما خللاً هيكلياً، كما أشار وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي قائلاً إن «أوروبا تعاني مسألةَ أمن طاقة وليس فقر طاقة». كما أن محاولة ربط قضايا الطاقة بالأزمة الروسية الأوكرانية غير مجدٍ وبعيد عن الحقيقة، ففيما عدا روسيا، فإن كافة الدول الأعضاء في «أوبك+» ليست طرفاً في هذه الأزمة المتصاعدة، كما أن الحرب أدت أساساً إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بمعدلات أكبر من ارتفاع أسعار النفط، وهو ما ينطبق على أسعار الفحم أيضاً. 
ومن جهة أخرى، تحاول البلدان المستهلكةُ المحافظةَ على سعر الأساس السابق لسعر برميل النفط، والذي مضى عليه أكثر من خمسة عشر عاماً، غير مدركة لنسب التضخم المرتفعة خلال هذه السنوات، مما يتطلب من الناحية الفنية رفع سعر الأساس إلى معدلات تتناسب مع ارتفاع معدلات التضخم العالمية.
وفي المجمل، فإن مجموعة «أوبك+» تتعامل مع تطورات سوق النفط من الناحية الفنية والمصلحية لبلدانها بعيداً عن التسييس الذي يؤدي إلى تعقيد الأمور. فسوق النفط متوازنة، كما أن «أوبك+» حريصة على تعافي الاقتصاد العالمي، وتراعي مصالح كافة الأطراف، إذ يتطابق ذلك مع مصالحها بشكل عام.

*خبير ومستشار اقتصادي