يتطور علم الكيمياء على نحو مذهل، ويعطي تحالف الكيمياء والطب أملاً كبيراً في مواجهة الإنسان للأمراض الأكثر خطورة، وإحداث ثورة كبرى في عالم الدواء.
حاز عالم الكيمياء الأميركي «باري شاربلس» هذا العام 2022 جائزة نوبل الثانية في الكيمياء، ليصبح خامس عالم يحصل على الجائزة مرتين. فقبل «شاربلس» حاز العالم البريطاني «فردريك سانجر» على جائزة نوبل في الكيمياء مرتين، وحاز العالم الأميركي «جون باردين» على جائزة نوبل في الفيزياء مرتين، وأمّا العالمة البولندية «ماري كوري»، فقد حصلت على جائزتيْ نوبل في الكيمياء والفيزياء، وحاز العالم الأميركي «لينوس باولنج»، والذي شغل الدكتور أحمد زويل مقعده في جامعة «كالتِك»، على جائزتىْ نوبل في الكيمياء والسلام.
أصبح «باري شاربلس» الذي حاز جائزة نوبل الثانية قبل أيام حديث العالم، فلقد عاد إلى نوبل من جديد بعد (21) عاماً من أول فوز بها. كان شاربلس في الستين من العُمر في نوبل الأولى، وفي الحادية والثمانين في نوبل الثانية.
لم يركن عقل «شاربلس» إذن إلى التقاعد بعد الستين، بل إنه عمل على مدى السنوات التالية، حتى حاز نوبل من جديد وهو يبدأ العقد التاسع من العُمر. إن «شاربلس» لا يمنحنا عطاءً مذهلاً في الكيمياء الحيوية فحسب، بل يعطينا دروساً في اللياقة الحيوية، والكدّ في العمل، والسعي في الحياة.. مادام هناك قلب ينبض.
يعمل «باري شاربلس»، الذي حصل على الدكتوراه من جامعة ستانفورد، وواصل دراسات ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد، أستاذاً في «معهد سكريبس» في كاليفورنيا، وهو أحد أكبر معاهد العالم غير الربحية في أبحاث الطب الحيوي، ويعود اسمه للسيدة «إلين سكريبس» التي تبرعت بأموالها في عام 1924 لبناء منشأة علمية، والتي أصبحت لاحقاً «معهد سكريبس للأبحاث».
في حيثيات منح جائزة نوبل في الكيمياء 2022 لثلاثة علماء في مقدمتهم «شاربلس» استخدمت لجنة الجائزة تعبير «تطويع الكيمياء»، وهو تعبير رائع، يدلّ على مدى السيطرة على تفاعلات الجزيئات، فيما كان يُعد قبل سنوات في عداد المستحيل.
أسس «شاربلس» وعلماء آخرون علم «الكيمياء النقرية» في معهد سكريبس للأبحاث عام 1998، وهو علم يعمل في مجال الجزيئات الصغيرة، حيث يجري ضم الجزيئات معاً بأسلوب يشبه التفاعلات الكيميائية في الطبيعة، وتسمى عملية الحصول على مركبات كيميائية عن طريق إحداث تفاعلات بـ«الاصطناع العضوي». 
إنها هندسة جديدة للجزيئات، سيكون من شأنها إحداث ثورة في صناعة الدواء في العالم، حيث سيجري تعديل المكونات، وسيتمّ حلّ المشكلات المتعلقة بمقاومة المضادات الحيوية، وسيكون ممكناً إجراء تفاعلات كيميائية داخل جسم المريض، لمواجهة الأمراض الخطيرة.
جاء إطلاق اسم «الكيمياء النقرية- Click Chemistry» من صوت النقرة التي تنتج من ربط حزام الأمان في السيارة، أو أحزمة حقائب الظهر، نتاج ارتباط قطعتين متلائمتين مع بعضهما. 
الفارق كبير للغاية، بين من يضغطون على ذرّ «كليك» لإسالة الدماء، وبين من يضغطون على الزرّ لحماية الحياة.
*كاتب مصري