ازداد المفكر الروسي ألكسندر دوغين شهرةً في العالم بعد اغتيال ابنته داريا في موسكو، والذي لم يكن مزهواً بشهرتهِ، التي وصلت إلى وصفهِ بعقل الرئيس الروسي من خلال رؤيتهِ الفكرية والمستقبلية لأهمية الجيبوبوليتيكية الروسية خاصةً في دائرة مواجهة الهيمنة الليبرالية الغربية.
ينطلق الفيلسوف دوغين من حقيقة أن هناك ثلاث نظريات أثرت وسادت في العالم، وفي المحصلة انتصرت الليبرالية على الفاشية ثم الشيوعية. وعند «دوغين» الصراع مع الليبرالية الغربية بقيمها المادية الرأسمالية والحرية الفردية بدأ من روسيا أولاً، فقد تغيرت الهوية الروسية خلال مائة عام من روسيا القيصرية والكنيسة الأرثوذكسية إلى روسيا البلشفية الشيوعية، ثم مرحلة الهوية الليبرالية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والآن تأتي روسيا الوطنية القومية ذات الطابع الروسي الحضاري والاجتماعي والثقافي. فالجغرافيا مرتبطة بالمكان والإنسان مؤثرةً على السياسة، فالدول من هويتها الرئيسية في وجود شعب والسيادة على إقليم، إلى الهوية الاجتماعية للدول بكل ما تحتوي من اللغة والدين والأعراق والقيم والمعتقدات والأيديولوجيات السائدة والمتصارعة والقدرات البشرية المادية والمعنوية، تعكس أدواراً مشتركة ومتعاونة وأخرى متصارعة، على سبيل المثال الهوية الليبرالية بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة كونت حلف «الناتو». 
فحسب رؤية عالِم السياسة الجغرافية دوغين «الذي يصف نفسه بأنه بعيد عن بوتين ولكن أفكارهُ هي القريبة من عقل بوتين» يجب على روسيا خلق فضاء أوراسي لها حيث تكون هناك مصالح وقواسم مشتركة مع تأييد روسي لتيارات شعبية وأحزاب سياسية مناهضة للهيمنة الغربية الليبرالية في دول آسيا إلى جانب أفريقيا وأوروبا. ففي أوروبا، تركز أهداف موسكو في منع تطويقها عبر تمدد حلف «الناتو»، إلى جانب التحفيز على بروز القومية الأوروبية المحافظة. وعلى الرغم من أن صعود اليمين المتطرف والتيارات القومية والشعبوية في أوروبا يشكل منعطفاً سياسياً خطيراً، إلا أنهُ ستقود حتما إلى حالة أخرى معاكسة نحو إيجاد حلول عبر منظومة سياسية وقانونية وثقافية تعمل على تجدد الدولة القومية. 
تُبصر مع المفكر دوغين العديد من الرؤى الجيوبوليتيكية كالإيرانية المذهبية المرتبطة بجغرافية التجمعات الشيعية خارج إيران، والهندية القومية الأمنية، ومكامن الجيوبوليتيكية الألمانية، وفي الشأن الألماني تتوقع مؤسسة «راند» أن تقوم ألمانيا الاتحادية بخلق منظومة اقتصادية وسياسية وثقافية مع أوروبا الشرقية ومتعاونة مع روسيا، لأن مقومات ألمانيا الاقتصادية والصناعية والعلمية تجعلها مؤهلة لقيادة كتلة اقتصادية أمام الصين والولايات المتحدة.
ويفتح فكر وفلسفة دوغين عن حقيقة كون دول الخليج العربية تمتلك قدرات جيوسياسية كبيرة، فهي مركز للدين الإسلامي، ومنبع للغة العربية، وتتميز بأنظمة سياسية ملكية، ولها قدرات اقتصادية ضخمة وقيم وثقافة يحتاج إليها العالم في تعزيز التعاون الإنساني والتراحم والتسامح والبناء، ناهيك عن فعاليتها الدولية في شتى المجالات، وقدرتها على رفع جوانب الأدب والفن والقدرات البشرية والتنموية والابداعية في العالم العربي والشرق نحو العالم عبر شراكات معينة، ولها أن تأخذ من الهوية الليبرالية ما يعزز ويحسن من هويتها الاجتماعية وأدوارها الاقتصادية والثقافية والسياسية.
*كاتب ومحلل سياسي