تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، إلى روسيا الاتحادية في وقت حرج يمر فيه العالم بفترة عصيبة من تاريخه، وتجسيداً لسياسة دولة الإمارات الخارجية التي تقوم على مبادئ راسخة ومناهج رصينة قوامها الموازنة بين الأطراف العالمية كافة، بحيث لا تميل كفة الميزان إلى جانب طرف دون الآخر، وعلى البحث عن علاقات ترسخ الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة.
وفي هذه المرحلة الدقيقة تنظر دولة الإمارات إلى روسيا بكونها دولة كبرى لها وزنها الثقيل الذي تؤثر من خلاله كثيراً في الأحداث العالمية ومجرياتها انطلاقاً من عناصر القوة المادية والمعنوية التي تمتلكها.
وتنظر دولة الإمارات إلى روسيا بكونها شريكاً واعداً لتحقيق العديد من المصالح معها وعن طريقها، وتحرص على أن تساهم معها بجد وإخلاص وفعالية لتسوية المشاكل الدولية الساخنة وتحقيق السلام والأمن العالمي.
إنّ القواسم المشتركة بين دولة الإمارات وروسيا تقوم على عناصر ومجريات وأحداث يمر بها العالم، وتحتاج من الدولتين الصديقتين أن تتعاونا لحل شفراتها وفك رموزها وطلاسمها ونزع الفتائل الساخنة منها تحقيقاً لمصالحهما المشتركة أولاً، ثم بعد ذلك تحقيق ما يمكن تحقيقه خدمة للبشرية جمعاء.
ومن أهم مشاكل العالم التي تنظر دولة الإمارات إلى حلها بالتعاون المباشر والوثيق مع روسيا، هي عدم التصعيد المبالغ فيه للحرب الدائرة في أوكرانيا، وخلق الاستقرار في أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، وتحقيق الأمن والاستقرار في الخليج العربي وإبعاده عن مسببات القلق والتوتر، ومعالجة ملف إيران النووي بالطرق السلمية، وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وتحقيق السلام والأمن الشامل والاستقرار في جميع دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، بحيث يشمل دولها جميعها بدءاً بسوريا مروراً بالعراق وإيران وانتهاءً باليمن.
ويقابل ذلك أنه منذ أن تولى الرئيس فلاديمير بوتين زمام الأمور في روسيا وسياستها الخارجية تجاه دولة الإمارات تسير بشكل ممتاز، ويمكن القول بأنها سياسة خارجية إيجابية وتقوم على التعاون الصادق وتبادل المصالح المشتركة والثقة في نوايا الطرفين تجاه بعضهما.
إن منهج روسيا تجاه دولة الإمارات مر بشكل متطور بتحول جذري شامل يتماشى مع نظرة الرئيس بوتين الخاصة تجاه العالم الخارجي والدول المهمة في عالم اليوم على الأصعدة كافة، الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية، وهي نظرة ذات منهج يمكن أن يوصف بأنه جديد ومختلف عمّا انتهجه قادة روس سابقون منذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وقيام الدولة الروسية الجديدة على أنقاضه.
إنّ السياسة الخارجية الروسية الجديدة القائمة على فكر الرئيس بوتين ذات محتويات إيجابية تجاه دولة الإمارات، الأمر الذي يعني بأن لها تأثيرات ونتائج إيجابية مستقبلية على علاقات الدولتين ببعضهما، مثلما أن لها نتائج إيجابية على منطقة الخليج العربي ودول مجلس التعاون الخليجي. هذا يتضح من خلال التعاون القائم حالياً لتحقيق مصالح الدولتين، وترسيخ أمن الخليج العربي، وتحقيق الأمن والسلام العالمي، ومن خلال الرغبة المشتركة لحل المشاكل العالقة والمزمنة ذات الملفات الخطيرة على مدار العالم.
ويعتبر عامل وجود المسلمين في روسيا عاملاً إيجابياً مهماً في علاقات الدولتين، ومحور ذلك هو المصالح الاقتصادية والتجارية التي يمكن أن تحرك هذه العلاقات إلى ما هو أفضل.
ما تنظر إليه دولة الإمارات وشعبها على هذا الصعيد، هو الدبلوماسية الشعبية وإقامة علاقات اتصال دائم مع المسلمين الروس ومن خلال الدولة الروسية لمساعدتهم على تحسين أوضاعهم المعيشية، وإسنادهم لبناء حياة كريمة لأنفسهم ومناطقهم.
مثل هذه الاتصالات يتوقع لها أن تتضمّن توسعة العلاقات التجارية والاقتصادية القائمة، وهي علاقات مبنية على احترام الشؤون الداخلية وعدم التدخل فيها، وأيضاً إنعاش المناطق التي يعيش فيها المسلمون من النواحي الاقتصادية والمهنية والاجتماعية ضمن أهداف نبيلة تسعى دولة الإمارات إلى تحقيقها للإسلام والمسلمين للعيش في أمن وسلام ورغد في شتى مناطقهم حول العالم.
المناطق العديدة التي يعيش فيها المسلمون داخل روسيا مناطق واعدة لتعاون مفيد مع سكانها على صعيد الأعمال، وهي مثمرة كشراكات على صعيد التجارة الحرّة والسلع الزراعية والتكنولوجيا والتقنيات المتقدمة والصناعة، واستخراج وتصنيع الألماس.
وبالفعل، تقوم عدد من الشركات والأعمال الخاصة في الإمارات بالتواصل مع هذه المناطق في سبيل تحقيق ما يمكن من مصالح مشتركة.
* كاتب إماراتي