يشكل المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني الذي افتُتح أول أمس الأحد (16 أكتوبر 2022)، والذي يشارك فيه 2296 مندوباً من جميع مناطق البلاد، حدثاً بارزاً، إذ فيه تتم إعادة انتخاب الرئيس شي جين بينج لولاية رئاسية ثالثة مدتها خمس سنوات أخرى، وهو أمر غير مسبوق منذ وفاة الزعيم ماو تسي تونغ في عام 1976.
وعلى مدى عقد من الزمن، نجح بينج في تحقيق إنجازات ونجاحات أضفت نوعاً من الرمزية حول شخصيته، وهو ما لم تعرفه الصين منذ الرمزية التاريخية التي حُظيَّ مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ، حيث باتت المدارس تدرس «فكر شي» للتلاميذ، كما أصبحت تتبع له بشكل مباشر ثلاثة أجهزة رئيسية مهمة في البلاد هي: الجيش وأجهزة الإعلام والأجهزة الأمنية.
وفي مؤشر على التطور الاقتصادي الكبير خلال عهد شي جين بينج، فقد نمت الطبقة الوسطى على نحو لافت للانتباه، حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 350 و700 مليون شخص ينتمون حالياً إلى الطبقة الوسطى بعد أن كانت حوالي 15 مليوناً فقط في بداية القرن الحادي والعشرين، كما تم إنقاذ ملايين الصينيين من الفقر، وتمتع اقتصاد البلاد بمتوسط نمو سنوي قدره 6 في المائة.
صحيح أن مؤتمر الحزب يأتي في وقت يواجه فيه الاقتصاد الصيني صعوبات دولية بسبب تراجع نمو الاقتصاد العالمي، وبسبب تدهور العلاقة مع الولايات المتحدة، علاوة على سياسة «صفر إصابات كوفيد» الصارمة التي فرضتها الصين على نفسها وتسببت في تعطيل بعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
لكن أصبحت الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، واستطاعت فهمَ العولمة والاندراج في رهاناتها بذكاء ونجاح كبيرين، وهي ليست دولة ذات طابع «أيديولوجي»، أو قوة تسعى إلى تصدير نموذجها السياسي والاقتصادي والفكري إلى العالم، كما فعلت وتفعل الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا اللتين تسعيان إلى تصدير نموذجهما زاعمتين أنه لا يمكن لأي مجتمع آخر تحقيق النجاح العلمي والصناعي دون المرور بهذا النموذج الفكري والمجتمعي والثقافي والاقتصادي والسياسي! وعلى خلاف ذلك تماماً، فإن السياسة الخارجية للصين كانت وما تزال قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والمجتمعات الأخرى، وقد استطاعت أن تمأسس لقاعدة مفادها أن أي نجاح اقتصادي تحققه دولة لا يعني خسارةً لدولة أخرى، أو ما عبّرت عنه دائماً بمبدئها الشهير «رابح-رابح» (win-win). 

ومنذ سنوات تعكف الصين على مشروع طرق الحرير الجديدة. وكانت أول طريق للحرير قد بدأت مع التاجر الشهير ماركو بولو قبل نحو 1000 عام، وفي الأعوام الأخيرة أصبح هذا البرنامج الاستثماري الضخم يملك بنيةً تحتيةً كبرى تمثل جزءاً من السياسة الرسمية لجمهورية الصين الشعبية.
ورغم الأزمات الدولية المتتالية، فقد تمكنت الصين من بناء أكبر أسطول بحري في العالم، وأعادت هيكلة أكبر جيش محترف، كما طورت ترسانةً نووية وبالستية قادرةً على منافسة عدة دول نووية مجتمعةً. واقتصادياً، تحولت الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.


*أكاديمي مغربي