في أحد صباحات الأسبوع اقتربت شابتان من لوحة «عباد الشمس» للفنان فنسنت فان جوخ، المعروضة في المعرض الوطني بلندن، وسكبتا حساءَ الطماطم على الأزهار، قبل أن تلتصقا بجدار المعرض.
كانت الشابتان جزءاً من مجموعة احتجاجية على المناخ تُدعى «فقط توقفوا عن استخدام النفط». واحتفاءً بتخريبهما المتعمَّد للوحة، أعلنت المجموعة أن ما فعلته الناشطتان «جاء رداً على تقاعس الحكومة (البريطانية) إزاء أزمتي المناخ وتكلفة المعيشة»، وأن التوقيت كان متعمداً للاحتجاج على «إطلاق جولة جديدة من تراخيص النفط والغاز، وارتفاع أسعار الطاقة الذي يهدد بإلقاء ما يقارب 8 ملايين أسرة في مواجهة شح الوقود».
من الخطأ أن تطلب الاتساق التام من النشطاء، لكن إذا قرأت الفقرةَ السابقةَ بعناية، فستلاحظ وجودَ توتر معين. يحتج النشطاء على التوسع في إمدادات الطاقة على أساس أن الوقود الأحفوري يدفع العالَم نحو كارثة مناخية، وعلى قلة إمدادات الطاقة على أساس أن الأسعار المرتفعة تشكل قسوةً على الأسر المكافحة!
ولطالما كان هذا التوتر كامناً تحت سطح النشاط المناخي اليساري الذي غالباً ما تتخيل رؤيته المجتمعات الغنية وهي تقبل تقشفاً معيناً، وتراجعاً عن عقلية النمو للرأسمالية، نحو أسلوب حياة أبسط وأكثر صحة من الناحية البيئية.. بينما تتخيل أيضاً أن هذا التقشف سيؤثر بطريقة ما على الطبقة المتوسطة العليا من الأغنياء، في حين أن الفقراء والطبقة العاملة يختبرون مستقبلَ ما بعد الرأسمالية وتراجع النمو على أنه ميسور التكلفة وليس أقل.
لكن في أزمة الطاقة لعام 2022، لم يعد هذا التوتر مجردَ نظرية، بل صدع واضح يخترق المدينة الفاضلة المعلنة! وبسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والصدمات الناتجة عنها، أصبحت لدينا نسخة من عالم «فقط توقفوا عن استخدام النفط»: عدم التوافر الفوري للتدفقات العادية للطاقة، والتحولات القسرية إلى أنواع الوقود البديلة، وسعر النفط والغاز أقرب إلى ما قد يجادل أشد المدافعين عن فرض ضرائب على الطاقة بأنه مناسب، بالنظر إلى تهديد الاحتباس الحراري.
لقد تم الاعتراف بهذا الواقع على نطاق واسع، لكن بنبرة متفائلة، حيث وصفتْ العديدُ من الحكومات والخبراء الأوروبيين الأزمةَ بأنها فرصة للتحول إلى الطاقة الخضراء، وهي الدفعة التي تحتاجها القارةُ لزيادة معدلات التخلص من الكربون.
لكن المطالب غير المتجانسة لمخرّبي لوحة فان جوخ هي دليل أفضل على الواقع الجديد أكثر من كونها دليلاً على تفاؤل المسؤولين الرسميين بالمستقبل الأخضر. نعم، لقد أحرز العالَمُ تقدماً كبيراً في مجال الطاقة البديلة، وهو أحد الأسباب التي أدت إلى انخفاض المخاطر الوجودية لتغير المناخ بشكل ملموس في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت أسوأ السيناريوهات أقل احتمالية من ذي قبل.
ومع ذلك، لم يكن هذا التقدم ممكناً من دون تدهور مستويات المعيشة بسبب استمرار استخراج النفط والغاز، وهو الأساس الموثوق الذي تستند إليه الفوائد المتغيرة للرياح والشمس. وبقدر ما دفع القادةُ الغربيون أكثر في اتجاه التوقف عن استخدام النفط، من خلال الحد من الحفر أو التكسير أو بناء خطوط الأنابيب، فقد جعلوا مجتمعاتِهم أكثرَ عرضةً لصدمات الطاقة التي تشهد الآن واحدةً منها.
من المحتمل أن تكون النتيجة درساً عملياً في سبب كون «فقط توقفوا عن استخدام النفط» إجابة كارثية لمشكلة العالم الآخذ في الاحترار. لا يقتصر الأمر على أنه بدلاً من مستقبل بيئي متناغم، فمن المحتمل أن تقوم أوروبا الفقيرة بحرق المزيد من الفحم والخشب، وتعاني المزيد من الاضطرابات الشعبوية. ولا شك في أنه عندما يعاني مواطنو دولة غنية مثل بريطانيا أسعار الطاقة المرتفعة الآن بشدة، فإن الأوضاع تزداد صعوبةً على الاقتصادات النامية في العالم.
وإذا كانت أسعار الطاقة غير المعقولة تزعزع استقرارَ السياسة الغربية، فينبغي أن نتوقع المزيدَ من الاضطرابات في الدول التي تعاني انقطاع التيار الكهربائي مثل بنجلاديش وباكستان، والتي تكافح حالياً لكي تتمكن من تحمّل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال.
هذا الواقع يلخص التحدي الكامل للتخفيف من آثار تغير المناخ. وكما يشير النشطاء، فإن مخاطر ارتفاع درجات الحرارة موزعة بشكل غير متساوٍ، حيث تواجه أجزاءٌ من العالم النامي أشدَّ التهديدات البيئية حدةً.
لكن مخاطر التباطؤ الاقتصادي، وعصر التقشف الأخضر، موزعةٌ هي أيضاً بشكل غير متساو، والدول الأفريقية والآسيوية التي تلعب دوراً في اللحاق بالركب لديها الكثيرُ لتخسره، مقارنةً بالاقتصادات المتقدمة، من مستقبل أكثر أماناً من الفيضانات وموجات الحرارة، لكن أكثر فقراً مما قد يكون عليه الأمر بطريقة أخرى.
وبالمثل، فإن أوروبا التي تشهد ركوداً اقتصادياً أكبرَ من الولايات المتحدة وأكثر منها حداً للقيود المفروضة على النفط والغاز، لديها الكثير لتخسره أكثر مما نخسره من العالم الأكثر خضرة وفقراً وبرودةً، والذي بشرت به حرب أوكرانيا.
لفترة طويلة، كان على أولئك الذين يتسمون بالفتور حيال الجدل حول تغير المناخ، أي الذين يقبلون حقيقة الاحترار لكنهم يشككون في السياسات الشاملة المقترحة استجابةً لذلك، أن يحسبوا حساباً لسؤال معقول: ما ضرر المبالغة قليلاً في رد الفعل في مواجهة مثل هذا الخطر الجسيم على المدى الطويل؟
ومع ذلك، فإن الجواب في عام 2022 هو أن هذه الأضرار موجودة وتكاليفها جاهزة للدفع مقدماً، إذ سيدفعها الأشخاص الأكثر فقراً والدول الأفقر، على وجه الخصوص.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»