هناك حالة من عدم الوضوح السياسي يعيشها لبنان الذي يحتاج لتوحيد صفوفه وتجاوز الأزمة الاقتصادية والخلافات السياسية، والتركيز على توفير احتياجات الشعب الذي أنهكته الأزماتُ وأرهقه الفسادُ وحالةُ عدم اليقين إزاء المستقبل المجهول.

ورغم وجود مؤشرات إيجابية تتعلق بالنجاح في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتَوقُّع العمل على التنقيب عن الغاز والنفط والحصول على إيرادات مليارية، فإن التجاذبات السياسية ونظام الأحلاف المدعوم من قوى إقليمية، كل ذل سيؤثر في قدرة البلد على تخطي أزماته التي بدأت تتجلى في الفراغ الرئاسي الوشيك.

المؤشرات تنبئ بالإخفاق في اختيار رئيس جديد من قبل مجلس النواب الذي فشل للمرة الثالثة، وسط حالة عدم توافق واضحة، بعد أن حُظي المرشحُ ميشيل معوض بـ42 صوتاً، فيما صوَّت 55 نائباً بورقة بيضاء، بينما يحتاج المرشح لـ86 صوتاً للفوز.. وكل ذلك يشير إلى أن الفراغ قادم لا محالة، حيث يرفض نواب «حزب الله» والمتحالفون معهم انتخاب معوّض، ويبذلون جهدَهم لعرقلة وصوله لكرسي الرئاسة. كل ذلك سيعني الوقوع في الفراغ الرئاسي الذي يعني نقل صلاحيات الرئيس الحالي، والذي تنتهي ولايته يوم الـ31 من الشهر الجاري، إلى حكومة تصريف الأعمال برئاسة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي.

وفي هذا تعقيدات عديدة تتعلق بتفسيرات للمواد الدستورية الخاصة التي لم تتطرق إلى هذا الشأن، وحتى ماهية السلطات التي يمكن أن تُعنى بها الحكومة والتي تتعلق برئيس الجمهورية. وهنا سيُفتح المجالُ واسعاً أمام كل كتلة سياسية كي تفسر مواد الدستور حسب رغبتها، خاصة تلك التي تتعلق بمدى الصلاحيات المتاحة لحكومة تصريف الأعمال، ووجوب أن تكون القرارات بموافقة كل الوزراء، وهذا أمر يستحيل في بلد مثل لبنان، تسوده خلافات جمة حتى داخل الحلف الواحد.

لذا ربما يكون أهون على السياسيين والنواب الإسراع بتكليف ميقاتي برئاسة الحكومة، بغية التقليل من حالة الشلل التي سترافق وجود الفراغ الرئاسي مع حكومة تصريف الأعمال. لبنان مطالَبٌ بتخطي أزماتِه السياسية بشكل عاجل واختيار رئيسه، فليس لديه الوقت الكافي للدخول في مهاترات سياسية ستزيد من تفاقم الأوضاع المعيشية للبنانيين، فالأزمة الاقتصادية في أوجها، بينما يعاني المواطنون اللبنانيون من نقص الخدمات الأساسية وانعدامها أحياناً، وهم يتزاحمون للحصول على الخبز والحليب والبنزين.. وسط انهيار العملة (الليرة اللبنانية) التي فقدت 90% من قيمتها، لتُصنَّف أزمة لبنان ضمن أسوأ الأزمات في التاريخ الحديث.

كما أن القطاع الصحي في انحدار وقدرة المواطن البسيط على تغطية فواتيره الصحية أصبحت في حكم المعدوم، ناهيك عن عدم توفر الكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. وتنضاف لكل ذلك أزمةُ البنوك المفتعلة، حيث احتفظت معظم المصارف بأموال المودعين، وأصبحت تتحكم بقدرتهم على السحب من أرصدتهم. وتُقدَّر المبالغُ المطالَبَة بها البنوك اللبنانية بأكثر من 100 مليار دولار، لذا وصفت صحيفة «لوموند» الفرنسية ما تقوم به مصارف لبنان بأنه «سرقة العصر بحق المودعين»، وهو ما يبين كمَّ الفساد في لبنان، والحاجةَ الماسةَ للقضاء على هذا الفساد الذي تدعمه الكتل السياسية.

ورغم الهدية التي حصل عليها لبنان، متمثلةً في مخزونات الغار الطبيعي المستكشفة، لاسيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والحديث عن مليارات الدولارات المتوقّعة، فالسؤال الملح هو: هل سيتمكن لبنان من تجاوز أزمته وحل مشكلاته الاقتصادية من خلال ثرواته الجديدة، أم أنها ستتبخر كما حدث لأموال المودعين؟ وهل سيتمكن الرئيس الجديد في حال انتخابه من انتشال لبنان من أزمته؟

*كاتب إماراتي