مُنحت الكاتبة الفرنسية آني إرنو جائزة نوبل في الأدب، لشجاعتها وبراعتها الموضوعية، والتي كشفت من خلال ما كتبته عن الجذور والقيود الجماعية والتغريب للذاكرة الشخصية. استطاعت إرنو وضع يدها على معاناة تجربة الطبقية، ووصف العار، والإذلال، والغيرة.

إرنو تبلغ من العمر 82 عاماً، تعمل في الغالب سيراً ذاتية تكتب الروايات عن الحياة اليومية في فرنسا بالإضافة إلى الروايات الواقعية، وقال حساب جائزة نوبل على تويتر بعد الإعلان «تمتلك إرنو الشجاعة والحدة اللتين تكشف بهما الجذور، والاغتراب، والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية، لقد حققت شيئًا مثيرًا للإعجاب ودائمًا».

وبهذه المناسبة لا بد لي أن أعرج على لحظة قبل 33 عاماً، عندما فاز الكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، كانت لحظة لا يمكن نسيانها، فقد كان العربي الوحيد الذي يفوز بالجائزة العالمية.

وحينما فاز التركي أورهان باموق في عام 2006 بجائزة نوبل للأدب، بقي خطابه المؤثر في قلبي والذي جاء تحت عنوان «حقيبة أبي»، لا يمكن لي أن أتجاهل خطاب «باموق»، وكيف استطاع أن يصف حالة الحزن التي مر بها عندما علم بوفاة والده، وها هو أمام ملك السويد يستجلب قديمه ليقدمه بعد عدد من السنين على وفاة والده: «سأتحدث الآن عن وطأة هذا العبء ومعناه، إنه معنى يتخلل كل ما يفعله شخص يختلي في غرفة بنفسه، ويجلس أمام طاولة أو ينزوي في مكان ما، ليعبّر عن نفسه بالورقة والقلم».

ولأن إرنو فرنسية وتدافع عن الحقوق الإنسانية، ولهذا استحقت جائزة نوبل لعام 2022، لم تفارقني ميلودة من ذاكرتي، وكأنها ملتصقة بالآخر مثل طيات الأكورديون، «طاطا ميلودة» كما يطلق عليها في الأوساط الفنية الفرنسية، مهاجرة مغربية ليست كباقي النساء اللواتي عبرن البحر الأبيض المتوسط في اتجاه ضفته الشمالية بحثاً عن الفردوس.

«طاطا» الأمية التي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، تركت بناتها الثلاث وعملت كخادمة في فرنسا، عانت طويلاً من وراء سيل كبير من المعاناة والأسى والألم، قصة حياتها طويلة ومثيرة للشفقة، وقد وعدت جمهورها أن تكتب يوماً قصتها، وبعد أن تزوج شريك حياتها بحثت عن فكرة الخلاص من الماضي، وبدأت في البحث عن وسيلة تعبر بها عن آلامها ومعاناتها، لتدخل مجال الفن وتبدع فيه، تلك الأمية التي تركت بلادها لكي تعمل كخادمة، وتصاب بالصدمة من شريك حياتها، تقدم لها وزير الثقافة الفرنسي في ذلك الوقت فريدريك ميتران وسلم عليها بحرارة بعد نهاية العرض، واستقبلها بشكل خاص، وأبدى إعجابه بتجربتها الفريدة والناجحة.

فإذا فازت إرنو بجائزة نوبل، فـ«ماما طاطا» تستحق ما هو أكثر من ذلك، نظراً للتحولات التي عايشتها من خادمة لا تقرأ ولا تكتب، إلى فنانة يشار إليه في فرنسا بالاحترام نظراً لموهبتها. شكراً فرنسا لأنك تصنعين لنا نساء قويات ومبدعات.

*كاتبة وروائية سعودية