العلاقات المصرية الإماراتية قصة تستحق أن تروى، إنها نموذج للعلاقات العربية- العربية في أفضل حالاتها. نموذج أكمل نصف قرن كامل، ثم إنه يتواصل أكثر قوةً وثباتاً.

لقد سعدت بحضور الاحتفالية الكبرى التي انعقدت في القاهرة بمناسبة مرور خمسين عاماً على العلاقات الراسخة بين البلدين الشقيقين. وهي الاحتفالية التي لم تكتفِ بكلمات كبار الساسة والمسؤولين في مصر والإمارات، ولكنها امتدت إلى جلسات مؤتمر اقتصادي كبير، شهد أحاديث مهمة للغاية تتعلق بمستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية الإماراتية.

في المؤتمر، تكررت الكلمات الذهبية للمؤسس الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «مصر هي قلب العرب، وإن توقف فلا حياة للعرب». وكلماته التاريخية في أثناء حرب 1973: «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، وقد مثلت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في الاستمرار على نهج الوالد المؤسس في توثيق العلاقات مع القاهرة، تعزيزاً لمستقبل مشترك يستند إلى الماضي والحاضر. يحظى المؤسس الجليل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مصر بمكانة خاصة، وهو الزعيم غير المصري الوحيد الذي أطلق اسمه علي مدينة مصرية. وتذكِّر مدينة الشيخ زايد باستمرار بتلك المكانة التي يحتلها مؤسس دولة الإمارات لدى مصر. علي مدى خمسين عاماً، ومنذ حكم الرئيس أنور السادات وحتى حكم الرئيس السيسي، لم تهتز العلاقة يوماً، وإذا كان الرئيس السادات والشيخ زايد قد أسسا لما نحن فيه الآن، فإن الرئيس حسني مبارك واصل مع الشيخ زايد الطريق نفسه، لتزداد العلاقات المصرية الإماراتية متانة وقوة. ولما وقعت أحداث مصر الكبرى عام 2011، واحتاجت الدولة المصرية إلى الدعم والمساندة، كانت دولة الإمارات جاهزة وحاضرة. كان الدعم بلا حدود، وكان القرار الإماراتي هو الوقوف إلى جانب مصر بكل الطرق حتى تتجاوز أزماتها وتتخطى عقباتها. ولما سقط حكم جماعة «الإخوان» في مصر بفضل ثورة 30 يونيو المجيدة، واحتاجت مصر إلى المساندة من جديد.. كانت الإمارات جاهزة وحاضرة مرةً أخرى.

كانت تلك السنوات الصعبة في مصر سنوات قاسية للغاية، وقد كنت شاهداً على ذلك مرتين، مرة من داخل الحقل الإعلامي والثقافي، ومرة من داخل مؤسسة الرئاسة، حيث عملت مستشاراً للرئيس عدلي منصور في أعقاب سقوط «الإخوان».

كنا نراقب العالم كما كان العالم يراقبنا، كنا على موعد للفرز والتمييز، معرفة العدو من الصديق، ومن يهمه أمر مصر أو من يهمه أمر «الجماعة». وقد كان الرئيس السيسي دقيقاً للغاية حين قال: «مصر لن تنسى من وقف معها ولا من وقف ضدها». ليس من الغريب إذاً أن يقوم الرئيس السيسي بتكرار الشكر والتقدير وتأكيد مشاعر الحب والامتنان لوقفة الإمارات إلى جانب مصر في محنتها، وأنه لا ارتياح للإمارات إلا بانكشاف الغمة عن أرض الكنانة.

لقد تجاوزت مصر محنتها، واتجهت بكل طاقتها تعمل على تحقيق التنمية وتطوير الاقتصاد. لا تثمن مصر الأخوة الإماراتية بسبب مواقف أبوظبي النبيلة فحسب، بل تدرك القاهرة جيداً أن الإمارات تقدم نموذجاً جذاباً للحداثة والتقدم، وهو أمر يسعد المصريين ويُثلج قلوبهم. فكل نجاح للإمارات هو نجاح لمصر، وكل نبأ جيد للإمارات هو نبأ جيد لمصر.