واجهت كل دول العالم استحقاقات ما بعد الجائحة العالمية عبر المزيد من الخطط والتحركات الاقتصادية التي تستهدف إنعاش اقتصاداتها، واستعادة فرص النمو في مختلف القطاعات، بعد فترة من الانكماش الاقتصادي الذي كان من تداعياته اكتشاف عدم صلاحية الأساليب القديمة في الإنتاج والتسويق، أو المراهنة على الاكتفاء بإيرادات قطاعات محددة كانت في السابق هي من تقود الإنتاج، وتوفر فرص العمل، وترفد الخزينة العامة بالفائض المالي.
ولأن الإمارات سبّاقة دائماً في استشراف وصناعة الفرص التي تواكب من خلالها التحديات وتحولها إلى فرص وإلى محفز للتفكير بإيجاد الحلول الأكثر استدامةً، فقد انصبت مختلف جهودها منذ سنوات على السير في اتجاه الاستعداد للمستقبل. وهذا ما أكدته أوراقُ العمل والدراسات التي قُدّمت في المنتدى السابع عشر لصحيفة «الاتحاد»، والذي تناول محور «الإمارات.. واقتصاد المعرفة»، تعزيزاً لتوجه الدولة المستند إلى رؤية مبكرة واستباقية وضعت في الاعتبار أهميةَ بناء استراتيجيات مستقبلية قائمة على الاستثمار في المعرفة.
وقد نجح «منتدى الاتحاد» في تناوله الشامل الذي غطى موضوعات حيوية ومستقبلية ثبت أنها جزء من التفكير الاستراتيجي في رؤية الدولة، فرغم أنها من بين كبريات الدول المصدرة للنفط، فإنها تعي جيداً أن الذكاء الاصطناعي سيكون نفطَ القرن الحادي والعشرين، وأن الالتفات إلى اقتصاد المعرفة وتنويع الفرص الاستثمارية ضرورة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، بعد أن واجه العالَم درسَ الجائحة الذي فتح الأبوابَ أمام الدول والشركات والأفراد للانفتاح على طرق تفكير مختلفة في البحث عن النمو والاستدامة في كل الظروف.
الحديث في «منتدى الاتحاد» حول اقتصاد المعرفة لم يكن الحديث الأول من نوعه، فمن حسن حظ المجتمع الإماراتي أن هذا التوجه المستقبلي يمتلك أرضيةً صلبة وقاعدة متينة بدأت الدولة بالاستعداد لها منذ وقت مبكر، واستطاعت أن تجذب لها استثمارات عالمية وجدت في البيئة الاستثمارية والإمكانيات التكنولوجية في الإمارات فرصةً ذهبية لا تتوفر في غيرها.
وقد لا نكون مدركين لما حققته الإمارات وما تطبقه من أحدث الممارسات التقنية، لأن المجتمع يستهلكها ويتعامل بها في كل لحظة، حتى أصبحت جزءاً من نسيج حياته اليومية التي لا يستغني عنها، وخاصةً الجيل الجديد الذي تكونت صلته بالتقنية وباستهلاك المنتجات الذكية، والتسوق الذكي على مدى السنوات الماضية، وجميعها تقنيات تشهد تطوراً يومياً لتواكب من خلاله كل جديد، وتشهد على هذا التحول المستمر المؤشرات العالمية التي تأتي الإمارات دائماً في صدارتها بين الدول الأولى المستخدمة لأحدث تقنيات التكنولوجيا في صناعاتها واقتصادها، مروراً بنظمها الإدارية ونمط حياة مجتمعها.
وما تطرحه الدراسات التقنية من تصورات مستقبلية حول استيعاب تقنيات «الميتافيرس» في جوانب اقتصادية عديدة قد يبدو لبعض المجتمعات غير متخيل ويندرج في نطاق أفلام الخيال العلمي، وبالتالي لن تتمكن من مواكبة هذا التحول والاستفادة منه إلا الاقتصادات التي قطعت شوطاً كبيراً في استخدام مختلف مراحل التقنية.
وعادةً ما تتحدث البرامج والمنصات الإعلامية الاقتصادية المتخصصة عن الاستثمار في الواقع الافتراضي، والأصول الرقمية وتغيير شكل التسويق الإلكتروني التقليدي، لكن من يمتلك الصورة الذهنية الواضحة لمثل هذه التعبيرات هم الذين عاشوا محنةَ وباء كورونا، واكتشفوا أن الأساليب التقليدية في التسويق، والوصول إلى المستهلك، لم تعد مجديةً، وأن المستقبل يفرض أساليبَ أكثر مرونةً.
كان هذا المحور موضوعاً لمساهمتي في الدورة الـ17 لـ«منتدى الاتحاد»، الذي جمع نخبةً واسعة من المفكرين، وكان كذلك مناسبةً لطرح العديد من المصطلحات التي يتم تداولها مع وضعها في السياق الذي يقرّبها من الواقع، وكيف يمكن أن يستفيد منها اقتصاد المستقبل.

*كاتب إماراتي