كان ذلك في عام 2010 عندما زرتُ أحد الأصدقاء مصاباً بداءٍ عضال، فقيل لي إنه نُقل إلى أفضل مستشفيات مصر، ألا وهو مستشفى الشيخ زايد. وقالت لي أم المريض: نحن مقيمون في مدينة الشيخ زايد وابني لن يُشفى إلا في مستشفاه إن شاء الله. وقد كان ذلك!
وبالطبع لا تقوم العلاقات بين البلدين العربيين على المؤسسات الاجتماعية والصحية ومدن الحضارة فقط؛ بل هي تكون في العادة تعبيراً عن الصلات العريقة والمتجددة. وهذا هو الأمر في علائق مصر بالإمارات والإمارات بمصر. مصر أم الدنيا وحاضرة العرب، وطليعة دول آسيا وأفريقيا في الأزمنة الحديثة، وإمارات الشيخ زايد رائد فكرة الوحدة والتوحيد والمؤسس لها إنما تشهد وتشكّل مصداقاً للتلاقي مع مصر في التحرر من الاستعمار، وفي اعتبار اللحمة الوحدوية سبيل بقاءٍ وازدهار، وفي اختيار الانتماء الكبير. 
يقول علماء الاجتماع إنّ الهويات هي شأن الأفراد، وربما أُطلقت في نطاق المجتمعات المحلية، أما الانتماء فهو الشأن الكبير الذي يجمع الشعوب والأُمم. وإذا كانت الهويات مُعطىً بشكلٍ من الأشكال؛ فإنّ الانتماء اختيارٌ كبيرٌ وجماعي. وهو الذي مضى إليه معظم العرب عن وعيٍ في مائة عامٍ الأخيرة عبر النضال من أجل التحرر والاستقلال والتقدم.
وكما سبق القول، وما دام الانتماء خيار أممٍ ودولٍ، فله ميزتان أنه اعتناقٌ حرٌّ وإرادي واستراتيجي، وأنه حديثٌ ومتجدد. وهذا النوع من الخيارات هو الذي جمع بين الإمارات ومصر خلال خمسين عاماً وأكثر. لقد اختاره مؤسس الدولة الاتحادية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتجلى ذلك في عمله السياسي الثنائي مع مصر، وعمله معها في الشأن العربي والدولي العام. وخلال ذلك استقدمت دولة الإمارات مصريين كثيرين في شتى المجالات للمساعدة في إعمار الكيان الجديد، وسارعت من جهةٍ أُخرى لبناء المؤسسات الاجتماعية والصحية والثقافية والاقتصادية في مصر. وقد استمرت هذه الصِّلات وتنامت في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، في المجالات المذكورة وغيرها. 
إنّ الاحتفاء المشترك الذي جرى هذه الأيام بعلاقات التضامن والتعاون والأخوَّة، هو تعبيرٌ عن التقدير المشترك للعلاقات التاريخية، لكنه أيضاً -وبالدرجة الأولى- تعبيرٌ عن التقدير للاندفاعة الجبارة التي بادر إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، منذ عام 2013 في كل المجالات، في العلاقات مع مصر. ولأنّ شأن سياسات الانتماء الاستراتيجية الاستمرار والنمو فقد صارت العلاقة لشدة متانتها واستوائها عهداً واحداً لخمسين عاماً وأكثر.
إنّ تحديات الدولة الوطنية العربية الجديدة نوعان: التنموي المستدام، والاستراتيجي في الإقليم والعالم. وهما بُعدان يتآزران ويتناميان في التواصل الوثيق والتخطيط المشترك بين الإمارات ومصر، ويفيد من ذلك البلدان، كما أصبح ذلك نموذجاً للعلاقات التي ينبغي أن تكون بين العرب جميعاً في الحاضر والمستقبل.
إنّ هذا الإدراك لطبيعة العلائق وتطوراتها ومقاصدها هو الذي بدا في تصريحات القادة والمسؤولين في البلدين العربيين، عندما نبّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى أهمية العلاقة بين مصر والإمارات من خلال بُعدها الاستراتيجي، إذ اعتبر درجتها ووثوقها عنصر استقرارٍ إقليمي. كما اعتبر فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن التفاهم والإخاء والتوافق عنوان المسيرة بين الدولتين. وكذلك أشادَ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بأخوية العلاقة واستقرارها وتطورها. 

إنه نوعٌ متميزٌ من تواصلات الرحابة والقوة والتضامن بين الشقيقين الكبيرين. وبسبب النجاح والثقة يُقبل مسؤولو البلدين على الاحتفال الخمسيني، الذي يتجدد بالأفكار والمبادرات والرؤى المستقبلية الواعدة. 

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية