عندما تعقد مجموعة «أوبك+» اجتماعها الدوري بدايةَ شهر ديسمبر القادم، تكون قد جرت الكثيرُ من المياه تحت جسر الاقتصاد العالمي المتأزم، إذ ستكون التركيبة الجديدة للكونجرس الأميركي قد اكتملت، ومارست دورَها بعد الانتخابات النصفية المقررة في الثامن من شهر نوفمبر الجاري، كما أن فصل الشتاء قد ألقى بظلاله القاتمة على حياة الناس في البلدان الباردة، فضلاً عن اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة، حيث لن يتمكن «بابا نويل» هذا العام من توزيع هداياه على الأطفال بالصورة المعتادة في كل عام، إما بسبب نقص الأموال أو بسبب نقص التدفئة!
ويضاف إلى كل ذلك الوضعُ الاقتصادي العالمي الذي يزداد تدهوراً وما يتركه من تأثيرات على معدلات النمو ومستويات المعيشة في مختلف البلدان، إذ سيجد المجتمعون من أعضاء «أوبك+» أمامهم جملةً من القضايا والتطورات المعقدة والشائكة، مما يحتم حساسيةَ القرارات التي ستتخذ والتي ستكون لها ردود أفعال دولية، بعضها متفهم لطبيعتها، في حين سينتقدها البعضُ الآخرُ انطلاقاً من أوضاعه الاقتصادية الصعبة.
وتشير تجربة «أوبك+» في العامين الماضيين إلى مرتكزين أساسيين، أولهما وحدة أعضاء المنظمة وتمسكهم بالمكاسب التي حققوها بفضل هذه الوحدة، وثانيهما المرونة العالية التي تتميز بها قرارات المجموعة والتي حافظت على توازن أسواق النفط وثبات الأسعار عند معدلات عادلة، إذ رغم الضجة التي أُثيرت بسبب تخفيض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل في الاجتماع الأخير، فإن العالَم استوعب حيثياته بعد انخفاض أسعار النفط، ما أدى نسبياً إلى تراجع الحملات الإعلامية ضده، علماً بأن الأسعار عادت إلى مستوياتها قبل صدور هذا القرار، ما يعني أنه تمت المحافظةُ على أسعار النفط عند معدلاتها لشهر أكتوبر دون أي تغيير.
لذا يترقب العالَمُ الاجتماعَ القادمَ بكثير من الاهتمام، وتبْني الدولُ والشركاتُ قراراتِها على ما يمكن أن تتخذه المجموعة في هذا الصدد، حيث تُبين التجاربُ السابقةُ أنه لم تُتخذ قرارات تضر بالاقتصاد العالمي أو بالبلدان المستهلكة، إذ إن مجملَ قراراتها كانت تهدف إلى استقرار الإمدادات وتوازن السوق مع الحفاظ على أسعار عادلة لبرميل النفط.
ولا يعتقد أن الاجتماع القادم سيخرج عن نطاق هذه السياسة، إذ سيتم تقييم أوضاع السوق من الناحية الفنية والتجارية، فإذا كان هناك توازن بين مستويات العرض والطلب، فمن المستبعد أن تتخذ قرارات إضافية بتخفيض الإنتاج، بل ستتم المحافظة على معدلات الإنتاج الحالية، أما في حالة ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية، فمن المتوقع أن يتم رفع الإنتاج مراعاةً للأوضاع الاقتصادية المتأزمة في العالم. أما في حالة انخفاض الأسعار، فإن إمكانية القيام بالمزيد من التخفيضات في الإنتاج يعتَبر أمراً محتملاً جداً بغض النظر عن تداعياته على علاقات أعضاء المجموعة ببقية الدول، إذ سيميل الميزان لصالح الحفاظ على المصالح الوطنية والتي أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى للدول كافة، بما فيها مجموعة «أوبك+» التي لا تعتبر استثناءً في هذا المجال.

إذاً الاحتمالات كافة واردة فيما يتعلق باجتماع شهر ديسمبر القادم، لكن لا أحد يتوقع أن تتخذ المجموعةُ قراراتٍ تتعارض مع مصالحها، والتي تتطابق مع ضمان الإمدادات وتوازن السوق والأسعار العادلة.. وهي الأضلاع التي تشكل مثلثاً مهماً باتت قراراتُ المجموعة تستند إليه، مع الأخذ بعين الاعتبار المصاعبَ التي يعاني منها الاقتصاد العالمي ومصالح الأطراف كافة.

وفي المقابل، فإن هذه السياسة المرنة تتطلب من البلدان المستهلِكة إيجادَ صيغِ تفاهمٍ وتعاونٍ مع دول المجموعة، والتي تبدي دائماً استعدادَاها لمثل هذا التعاون، خصوصاً وأن عمليات تصعيد الحملات الإعلامية بعد اجتماعات «أوبك+» سابقاً لم تؤد إلى نتيجة، بقدر ما زادت من توتر أوضاع أسواق النفط وتقلباتها الحادة والتي لم تكن مفيدة للاقتصاد العالمي بشكل عام.

*خبير ومستشار اقتصادي