في ملتقى البحرين للحوار بالمنامة التقى بين 2 و4 نوفمبر (2022) زهاء مائتي شخصية دينية وثقافية وسياسية من حول قداسة البابا فرانسيس وشيخ الأزهر فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، من أجل استمرار العمل، وعن طريق الحوار، على نصرة المقاربات القيمية والأخلاقية لمشكلات العالَم المتفاقمة مساعدةً في المعالجة والوصول إلى مخارج وحلول. هناك الحروب المندلعة وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن التوترات والحروب الداخلية.

وهناك المشكلات التي صنعها وباء كورونا، وقضايا ومشكلات الطاقة والغذاء المتولدة عن تلك الحروب. ما بدأت الهجرات من الاضطهاد وللبحث عن الحياة الأفضل في السنوات الأخيرة، لكنها ازدادت وتفاقمت وصار ضحاياها في البحار أكثر من الناجين باتجاهات الدنيا الجديدة!

ومنذ الحرب العالمية الثانية استقرت الأمور على آليات تمثل مبادئ استدامة السلم وصونه بالكفاية والتوازن وبإجماع الكبار. ورغم الحرب الباردة (1950-1990) والمطالب المتكاثرة لإصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن، فإنّ قبولاً للحدّ الأدنى كان موجوداً، حتى انهار الاتحاد السوفييتي، وصار القطب الأعظم واحداً. وبعد عقدين سادت فيهما الهيمنة والأزمات المعروفة في الرأسمالية، ها هي روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي تريد العودة إلى حالة التعددية القطبية!

لقد تبين أنّ آليات النظام الدولي، ومفوضيات الأمم المتحدة ووكالاتها لحفظ السلم والتوازن، ما عادت ذات جدوى وفاعلية. وليس ذلك بسبب الانقسام بين الكبار وكثرة استخدام حق الفيتو فقط، بل ولأنّ المفوضيات والوكالات التابعة للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية والغذائية والصحية، صارت عاجزةً أمام الاحتياجات الإنسانية المتنامية، والموارد التي تزداد شحةً أمام ازدياد أنانية العباد وصعود تيارات الانعزال والعدوانية والكراهية. من زمان ٍ بعيد، وضع بعض المفكرين، وبينهم اللاهوتي المعروف هانس كينغ، أملهم في مقاربةٍ بديلة أو موازية لأمن العالَم وسلامه.

قال هانس كينغ: لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلاّ بالاجتماع على أخلاقٍ عالمية. والأخلاق العالمية الشاملة في قيمها الدينية والإنسانية هي ما حاوله البابا وشيخ الأزهر في أبوظبي في مطلع فبراير عام 2019 في «وثيقة الأخوّة الإنسانية». ومنذ ذلك الحين تكاثرت المقاربات المشابهة والمبادرات من سائر أهل الأديان الكبرى.

إنّ محاولة ملتقى البحرين للحوار، والذي جمع عشرات القيادات كما قلنا من حول الشيخ الإمام والبابا، محاولة من هذا النوع. وقد علمنا أنها السابعة على مستوياتٍ متعددة. فموقع البحرين على سواحل الجزيرة والمفتوح على البحار، والتنوع في التجربة، يدفع لبذل الجهد في سبيل الجمع على مبادئ وآليات قيمية وأخلاقية للمواطنة والعيش المشترك والسلام في المنطقة ومع العالم. ويتساءل كثيرون عن دور القيادات الدينية وفعاليتها.

والواقع أنّ الاستراتيجيين بعد فلاسفة الدين والأخلاق هم الذين يدعون القيادات الدينية للقيام بشيء من أجل تهدئة الحزازات واستعادة الأخلاق إلى مجال السياسة الخارجية، ومجال العمل الإنساني الكبير والتطوعي. لقد سمعنا في ملتقى البحرين كلاماً كبيراً وواعداً من جانب الشيخ والبابا. لكننا سمعنا أيضاً كلاماً جدياً ومستنيراً من جانب الشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات. ففي الوقت الذي يحتاج فيه القادة الدينيون إلى تضامن أكبر فيما بينهم لزيادة الفعالية، يقول وزير التسامح الإماراتي إنّ خطوات الإمارات صارت نهجاً ونموذجاً للتعايش السلمي في المنطقة ومع العالم، وسيظل الجهد مستمراً لخير بني الإنسان.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية