بينما نقترب من موعد الانتخابات النصفية، تصوِّر معظم التغطية السياسية التنافسَ في صورة صراع بين «جمهوريين» يستغلون سوء حالة الاقتصاد و«ديمقراطيين» يحاولون إخافة الناخبين من تراجع أجندة الحزب «الجمهوري» الاجتماعية. والواقع أن الناخبين يتمثّلون بالفعل اقتصاداً سيئاً، ولكن التمثّلات لا تطابق الواقع بالضرورة.

فعلى الرغم من أن التغطية السياسية تسلِّم بأن الاقتصاد في حالة سيئة، إلا أن الأرقام والبيانات تُخبرنا بقصة مختلفة. صحيح أن لدينا تضخماً مرتفعاً على نحو يبعث على القلق، إلا أن مؤشرات أخرى ترسم صورة أكثر إيجابية بكثير. وإذا أمكن خفض التضخم من دون أن يؤدي ذلك إلى ركود اقتصادي شديد – وهو ما يبدو ممكناً جداً – فلا شك أن المؤرخين المقبلين سيعتبرون السياسةَ الاقتصادية التي وضعت لمواجهة الوباء قصةَ نجاحٍ مذهلة.

عند تقييم حالة الاقتصاد، ما هي الفترة التي يجدر بنا استخدامها من أجل المقارنة؟ لقد سبق لي أن أشرتُ من قبل إلى أن الجمهوريين يعجبهم أن يقارنوا الاقتصاد الحالي بنسخة خيالية ليناير 2021، نسخة كان فيها سعر الغازولين يبلغ دولارين للغالون، ولكن وقائع أقل إيجابية، مثل الارتفاع الكبير في عدد الوفيات جراء كوفيد 19 وانخفاض التشغيل، تحذف من تلك الصورة. ولعل مقارنة أحسن بكثير هي بفبراير 2020، قبيل أن تضرب الجائحة بقوة. ولكن، كيف يقارن الاقتصاد الحالي بعشية الوباء؟

أولاً، كان لدينا تعافٍ كامل تقريباً في الوظائف والإنتاج. وكان معدل البطالة، بـ3.5%، قد عاد إلى المستوى الذي كان عليه قبل مجيء الفيروس. وكذلك الحال بالنسبة للراشدين العاملين الذين هم في أوج سن العطاء. كما أن الناتج المحلي الإجمالي قريب مما كان يتوقعه مكتبُ الميزانية التابع للكونجرس قبل الوباء. ولكن الأخبار السارة لا ينبغي التعامل معها على أنها من المسلَّمات.

ففي الأشهر الأولى من الوباء، كانت هناك عدة توقعات بأن الأخير سيترك «ندوبا» وسيُلحق ضرراً دائماً بالوظائف والنمو. وكانت ذكريات التعافي البطيء من ركود 2007-2009 ما زالت قريبة زمنياً وحاضرة في أذهان علماء الاقتصاد. ولهذا، فإن السرعة التي رجعنا بها إلى التشغيل الكامل مذهلة لدرجة أننا قد نسميها «التعافي الكبير». ولكن، ألم تتضرر قدرة العمال الشرائية كثيراً جراء التضخم، رغم أنه باتت لديهم وظائف من جديد؟ الواقع أن الجواب قد يفاجئك. في سبتمبر، كان مؤشر أسعار المستهلك أعلى بـ15% مما كان عليه عشية الجائحة. غير أن متوسط الأجور ارتفع بـ14%، وهي نسبة تعادل التضخم تقريباً.

كما أن أجور «العمال غير الإشرافيين»، الذين يمثّلون أكثر من 80% من القوة العاملة، ارتفعت بـ16%. وبالتالي، فإن الأجور الحقيقية لم تتأثر كثيراً بشكل عام، وإنْ كان الغازولين والمواد الغذائية – التي لا تتأثر بالسياسات كثيراً ولكنها تُعتبر مهمة جداً لحيوات الناس- أصبحت بالفعل أغلى. ولكن، ألن يتطلب خفض التضخم ركوداً اقتصادياً قبيحاً؟

ربما، والتوقعات المنتشرة على نطاق واسع بشأن الركود الاقتصادي ربما تؤثّر على تمثّلات الجمهور. ولكنها توقعات، وليست حقيقة ثابتة – ثم إن العديد من الاقتصاديين لا يتفقون مع تلك التوقعات. لن أخوض في ذاك النقاش المتواصل هنا، ولكنني سأكتفي بالقول إن هناك حججاً معقولة مفادها أن تقليص التضخم سيكون أسهل بكثير هذه المرة مما كان عليه بعد السبعينيات. غير أنه على الرغم مما قلتُ، إلا أن الجمهور لديه تمثّلات سلبية جداً عن الاقتصاد.

وبالتالي، ألا يخبرنا ذلك بأن الاقتصاد في حالة سيئة بالفعل؟ كلاَّ. والواقع أن الناس يدركون مدى يسر أحوالهم، غير أن آراءهم حول الاقتصاد الوطني قد تختلف اختلافاً حاداً عن تجاربهم الشخصية. فقد وجد استطلاع للرأي أُنجز لحساب «الاحتياطي الفيدرالي» أنه في 2021 كان هناك فرق كبير جداً بين ارتفاع عدد الأشخاص الذين لديهم رأي إيجابي عن أحوالهم المالية وانخفاض عدد الأشخاص الذين لديهم رأي إيجابي حول الاقتصاد. وكانت التمثّلات حول الاقتصاد الحقيقي، الذي يستطيع الناس رؤيته بأعينهم، في منزلة بين المنزلتين.

وأعتقد أنه حين نحصل على نتائج 2022، ستبدو النتائج متماثلة. والأكيد أن عودة التضخم بعد عقود من الاستقرار تثير قلق كثير من الأميركيين، إضافة إلى المخاوف من ركود اقتصادي ممكن. غير أننا لا نقصد أن الجمهور مخطئ لأنه يشعر بالقلق، وإنما أن آراء الجمهور السلبية عن الاقتصاد لا تفند فكرة أن الاقتصاد بحال جيدة من عدة نواحٍ، وإن لم يكن كلها. الآن، أنا لا أقول إن «الديمقراطيين» يقضون الأيام الأخيرة من حملتهم الانتخابية في إخبار الناخبين بأن الاقتصاد هو بالفعل على ما يرام.

فهو ليس كذلك. غير أنه ينبغي على «الديمقراطيين» ألا ينجروا للقول أيضاً إن الاقتصاد عموماً في حالة سيئة، لأن هناك بعض الأشياء الإيجابية التي حدثت في عهدهم، وفي مقدمتها تعافي الوظائف الذي فاق توقعات الجميع تقريباً. ولا شك أن لديهم كل الحق في الإشارة إلى أنه إذا كان «الجمهوريون» ينددون بالتضخم، فإن «الجمهوريين» لا يمتلكون أي خطة لتقليصه.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/10/31/opinion/the-truth-about-americas-economic-recovery.html