عقيدة القتال الأميركية، لها جذور العقيدة السياسية والثقافية نفسها، وهي أصلاً مرتبطة عند الأميركيين بجذور تاريخهم في بداياته، حين واجه أول مستوطن وطئت قدماه شواطئ نيويورك قارةً فسيحةً ومتوحشةً وغنيةً، وسكاناً أصليين اعتبرهم على الفور «آخر» لا بد من إلغائه وشطبه!

الحرب العالمية الثانية، كانت أول تدشين رسمي للعقيدة العسكرية الأميركية ما وراء البحار، وأول ظهور علني مباشر لأميركا على الساحة الدولية كمؤثر أساسي في الأحداث، وفيها برزت الخلفية الثقافية للعسكرية الأميركية، وهي خلفية تحمل في طياتها مجملَ ما يشعر به الأميركيون في قارتهم المنعزلة بين المحيطين الأطلسي والهادئ!  

والحرب العالمية الثانية كانت آخر التراجيديات العسكرية على مستوى العالم، وفي أدبياتها التاريخية هناك أسماء لأبطال ونجوم ومشاهير مثل مونتغمري وديغول ورومل وغيرهم. وما يثير حنق الأميركيين أنهم رغم حسمهم الحربَ، إلا أن أدبيات تاريخ هذه الحرب لم تحفظ أسماء أبطالهم كما يعتقدون، ومن هؤلاء الجنرال باتون الذي يرون فيه أهمية تفوق مونتغمري، بل ويسردون في تاريخهم عن الحرب أن مونتغمري احتال وانتزع انتصاراته من الجنرال الأميركي المثير للجدل بقساوته ووحشيته حتى على جنوده! الجنرال باتون كان ممن ذكرهم الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بإعجاب في أكثر من مناسبة، ولا نستغرب ذلك إذا عرفنا كيف كان هذا الجنرال يفكر وما هي فلسفته في الحرب أو حتى السلام!

الجنرال باتون مشهور في الأدبيات الأميركية بخطبته المرتجلة أمام الفرقة السادسة المدرعة والتي تولى قيادتها في الحرب العالمية الثانية، وقد استهلها بعبارة مهمة جداً يقول فيها: «ستربحون الحرب من خلال جعل الحمقى الآخرين يموتون من أجل أوطانهم»! تكشف هذه العبارة نمطية أميركية في التفكير.

لكن ما هو ملفت للانتباه أكثر للرد على بعض الكتاب الأميركيين الذين ادعوا أن أميركا بطبيعتها لا تحب القتال أو الحروب، يكمن في إفادات البعض عن: «أميركا بتقاليدها تحب القتال، كل الأميركيين الحقيقيين يحبون المعارك، عندما كنتم كلكم أطفالاً كنتم تضمرون الإعجاب للعداء السريع، والقناص الماهر.. والملاكم الأعنف، الأميركيون يحبون الرابح ولا يطيقون الخاسر، والأميركيون يلعبون دوماً لكي يربحوا كل الوقت فقط»!

الجنرال باتون، بطل آخر وجدتُه بين مجموعة من الأبطال على الطريقة الأميركية، وهي بطولة مترسخة في الوعي الاجتماعي الأميركي قائمة على إلغاء الآخر، وما زال الأميركيون يضمرون الإعجاب مثلاً للأسطورة بيلي ذا كيد، وهو القاتل والمطلوب للقانون، ولا يحتفظ الأميركيون في ذاكرتهم باسم واحد لضحية من ضحايا القاتل، لكنهم ينسجون الأساطيرَ المغلّفة بالإعجاب لهذا السفاح، وهو في عرفهم يعد بطلاً من أبطال الغرب القديم، حين انتصر الإنسان على قساوة الطبيعة.

لذلك يبدو أن الأميركي العادي بسيط ومعرفتُه بالعالَم سطحيةٌ، ولا بد من وسيلة توضح الصورة له، وتجعله يفهم أن العالَم الذي نعيش فيه أكبر من محيط القارة التي يتقوقع فيها.