في مؤتمره السنوي التاسع بعنوان «عولمة الحرب وعالمية السلام: المقتضيات والشراكات»، تحدث عشرات المحاضرين في منتدى أبوظبي للسلم حول المشكلات التي تتهدد السلام العالمي، من أزمة النظام الدولي والتحديات الأمنية الجديدة، مروراً بأزمات الطاقة والغذاء والصحة، والمرأة والشباب ومقتضيات السلم العالمي، وليس انتهاءً بدور القيادات الدينية والروحية في إحقاق السلم. وهذه القضايا أُعيد التأمل فيها ووضعت خطط عملية لها في ورشات حول الشراكات والتضامن والأمن الروحي والتحديات النفسية وعالمية السلم بديلاً لعولمة الحروب.

معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات، والذي افتتح أعمال المؤتمر، طرح أسئلةٍ تقتضي إجابات مقنعة من جانب المحاضرين، حول الحوار والتعليم وتبادل الخبرات وبناء الشراكات والتحالفات بوصف ذلك كله طريقاً لتحقيق مستقبل أفضل – وإعداد القيادات المجتمعية والدولية في مجالات التسامح والسلام- والتراث الثقافي والإنساني ودوره في صنع السلام – والإفادة من التجارب العالمية الناجحة- واستقبال النماذج المرموقة في مجالات تحقيق السلام والأمن- ووسائل اختبار التقدم المحقَّق- ووسائل دعم منتدى أبوظبي والمؤسسات المشابهة لتحقيق الأهداف في التعاون والسلم.    

أما الدكتور محمد العيسى رئيس رابطة العالم الإسلامي فاعتبر السلامَ القيمةَ الرئيسية في القرآن وحياة المسلمين وعباداتهم، وذكّر بالتجربة الإنسانية الكبرى في كتاب المدينة، ثم تطرق إلى إنجاز «وثيقة مكة المكرمة» عام 2019، وأثنى على جهود منتدى أبوظبي للسلم وجهود معالي الشيخ عبد الله بن بيه منذ إعلان مراكش عام 2016.    

وجاءت كلمة العلاّمة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى أبوظبي للسلم جامعةً ومركزةً لوقائع المؤتمر وأهدافه. وإذا كانت العرب تقول إنّ الحرب أولها كلام، فإنّ السلم أوله كلامٌ أيضاً: «ولذا لا بد من الحوار والتباحث لإيقاف الحروب وتخفيف التوترات». واعتبر الشيخ العلاّمة أنّ القيادات الدينية تخاطب العقول والقلوب معاً.. «ولذا فإننا نعتقد أنه من خلال جهود القيادات الدينية مع غيرها بالإمكان التوصل لصوت الحياة، صوت الحكمة للأخذ بحجزات الناس عن القفز إلى أتون الحروب والفناء..». وكما قرر العلاّمة في عدة مناسبات، لا ينبغي أن يكون عندنا شك في تقديم السلم قيمةً وواقعاً على كل اعتبارٍ آخر. ذلك أنّ كثيرين يذهبون إلى تقديم العدالة، وهذا يعني استمرار الحرب. فحتى العدالة لا يمكن السير باتجاهها إلاّ بعد وقف النار!  

  ومن المعروف أنّ العلامة بن بيه تحدّث في كلماته التأطيرية للمؤتمرات السنوية للمنتدى عن «أولي البقية» بحسب تعبير القرآن الكريم، وهم في هذا السياق رسل القيم والأخلاق الذين ينهون عن الفساد في الأرض، ويدعون للسلام والتضامن الإنساني. أولو البقية هؤلاء الذين يحملون أخلاق الرسالة وأخلاق المسؤولية هم الذين دعاهم الشيخ الجليل في مفتتح المؤتمر إلى زيادة التعاون وبناء الشراكات، والتنسيق من أجل البلوغ بالعمل المشتركِ الأهداف المشتركة للإنسانية في السكينة والسلام. بعد جلسات المنتدى دعا بن بيه سائر العلماء إلى انتهاز كل فرصة، من كلمة أو خطبة أو اجتماع، وبجميع اللغات، وفي جميع القارات.. للتوعية والحث على صنع السلام والإسهام فيه بأية وسيلة.

    الجديد في المؤتمر التاسع ممارسة العمل العلمي والحوار والتماس المشتركات على أربعة مستويات: مستوى المحاضرات الكبرى في المشكلات العالمية، ومستوى الورش لاقتراحات عملية، وتخصيص مداخلات ومحاضرات ومشاركات للمرأة والشباب وسماع شهادات في السلام والتعاون من خبراء دوليين في المجالات والميادين التي استظهروا فيها تهديدات لأمن الإنسانية.     أما جائزة المنتدى السنوية للسلم المسماة باسم الحسن بن علي رضي الله عنه، فقد حصل عليها رئيس جمهورية إندونيسيا وتسلّمها نائبه في حفلٍ حضر جزءاً منه سمو الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات والمشرف على أعمال المنتدى منذ قيامه.  

  وكما أكّد وزير التسامح والتعايش، فإنّ المنتدى يمضي وفق رؤية القيادة الرشيدة لدولة الإمارات التي قررت أن الشعار هو السلام والتعافي والازدهار. ولذلك كله فقد كان المؤتمر في محاضراته ونقاشاته وفي بيانه الختامي خطوةً متقدمةً على طريق تحقيق هدفه الاستراتيجي في نشر الخير العام وسلام الإنسانية.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية