«إن المشاركة في ذكرى سنوية لمنظمة إرهابية لهو أمر مشين، ونحن قلقون من إعادة إحياء إرث كاهانا وخطابه السياسي من قبل المتشددين وتيارات اليمين التي تتبنى العنف عقيدة»، ذلك ما جاء على لسان «نك برايس»، الناطق باسم الخارجية الأميركية في العاشر من نوفمبر الجاري تعقيباً على مشاركة إيتمار بن غفير، والمرشح لإحدى الحقائب الكبرى في حكومة بنيامين نتنياهو القادمة (قيد التشكيل) بعد مشاركته في التأبين السنوي للحاخام المتطرف مائير كاهانا.

والاعتراض المغلظ نسبياً للخارجية الأميركية يعكس حجم المأزق السياسي نتيجة اختيار نتنياهو لحزب «الصهيونية المتدينة» حليفاً، حتى وإن جاءت نتائج ذلك بعكس مصالح إسرائيل.

عودة بنيامين نتنياهو (حزب الليكود) لقيادة ائتلاف حاكم ليس بالمعضلة بالنسبة لإسرائيل أو حلفائها الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحدة وأوروبا، بل تكمن الإشكالية في تركيبة الائتلاف وحزب «الصهيونية الدينية» بقيادة «بزاليل سموترش» و«إيتمار بن غفير» تحديداً. فكلاهما يمثل عبئاً سياسياً وأخلاقياً لإسرائيل وعموم حلفائها التاريخيين، وقد يتحمل هؤلاء الحلفاء بعض المسؤولية عن ذلك لاكتشافهم متأخرين كلفة مهادنة مشروع «يهودية الدولة»، مؤسساً بذلك انحرافاً لمبادئ الدولة العلمانية (الديمقراطية). وسوف يتعذر على هؤلاء الحلفاء الدفاع عن كافة ما يمكن أن تقدمه حكومة نتنياهو من مشاريع، خصوصاً بعد فقده اليوم حيز المناورة اللازم للتخلي عن حلفائه (بن غفير وسموترش)، ويعد حتى أمر التفكير في ذلك انتحاراً سياسياً بالنسبة له.

هذه الحكومة ستمثل تحدياً اجتماعياً غير مسبوق، وسيعمق من حالة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي على أسس الهوية الدينية لا الوطنية، ومن منظور الصهيونية الدينية المتطرفة، فإن «الإسرائيلي العلماني يماثل العربي على أرض إسرائيل التاريخية» (وإن اختلفت درجة الاحتمال النسبي من منظورها). لذلك سيكون من المستبعد قبول الأحزاب الرئيسية المغامرة برصيدها السياسي إسرائيلياً ودولياً فقط لإنقاذ بنيامين نتنياهو سياسياً أو من المسار القضائي لاحقاً، وستُؤثر الانتظار لترى نتنياهو يسقط على نصل سيف طموحة السياسي.

إلى حين كتابة هذا المقال (يوم السبت) لم تتقدم الولايات المتحدة أو أي من الدول الأوروبية الكبرى بتهنئة بنيامين نتنياهو بالفوز في الانتخابات، ويحضرني سؤالُ مقدمة أحد البرامج السياسية الإسرائيلية (وكنت أحد ضيوف ذلك اللقاء) للسياسي المخضرم دانيال (داني) أيالون: «كيف لنا أن نقبل بانتخاب متطرف مثل بن غفير، ولفرط تطرفه حتى أن الجيش الإسرائيلي لم يقبل بتجنيده». وقد سبق للسياسي الإسرائيلي رام بن براك (من حزب يش عتيد) أن وصف المشهد السياسي بما هو أعتم من ذلك في مقاربة استحضرت انتخاب أدولف هتلر (الجوروزليم بوست عدد يوم 29 من أكتوبر الماضي).

أما موقع «جويش نيوز»، فقد تصدر صفحته الرئيسية في 3 من نوفمبر الجاري عنوان يقول:«ها هو نتنياهو يعود، إلا أنه هذه المرة يرجع بالقبضة الحديدية لليمين المتطرف، لقد تحققت أكبر مخاوفنا».

على الإسرائيليين الآن مواجهة هذا التحدي من مناظير عدة وليس فقط إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة عبر وسائط تقليدية مثل «إيباك» أو «جي ستريت»، فالأخطار قد تشمل مواقفَ أوروبية أكثر صرامة نتيجة انعكاسات السياسات الداخلية المرتقبة وخصوصاً ما يتعلق بضم الأراضي الفلسطينية وعملية السلام وحقوق الفلسطينيين. وكذلك الانعكاسات المحتملة على مسارات التطبيع السياسي مع إسرائيل، وتحجيم ما تحقق من مكتسبات أسست لواقع جديد شرق أوسطياً مما قد يمثل انتكاسة. 

* كاتب بحريني