قبل عدة شهور كان الحوثيون يطرحون شروطاً لقبول الهدنة، وبعدها وافقوا على الهدنة دون شروط، بينما رفضوا التمديد الثالث الحالي إلا بتنفيذ شروطهم التعجيزية السابقة، مثل فتح المطار، ودفع رواتب الموظفين في صنعاء، وفك الحصار عن ميناء الحديدة.. إلخ. 
ويبدو أن الحوثيين قد أغراهم ترحيب حكومة اليمن الشرعية ودول التحالف بوقف إطلاق النار وقبول الهدنة. لكن مليشيات الحوثي تفضل الحرب على الهدنة، حيث إن الحرب تشكل لهذه المليشيات اقتصاداً مربحاً، علاوة على أن طبيعة الحوثيين عموماً لا تنزع إلى السِلم والموادعة، بل تنزع إلى الحرب والقتل أكثر مما تنزع إلى السلم والأمن. الحوثيون حركة عقائدية تقوم على الإيمان بخليط من السلالية والمذهبية الشيعية، لذلك فهم لا يؤمنون بنظام الدولة الحديثة ولا بنظام الجمهورية اليمنية ولا يحكمهم غير «شرع المذهب». والقيادة الحوثية بالخصوص لا تؤمن بالدولة ونظامها السياسي، ولذلك يصف المحلل السياسي اليمني أحمد الربيزي مليشيات الحوثي بأنها «جماعة مارقة وخارجة على القانون الدولي»، لا تلتزم بأي تعهدات ولا تعترف بالقرارات الدولية والأممية.. لذا ليس من المستغرب استمرار انتهاكاتها السافرة للقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية، بل من الواضح أنها تسلك سياسية القفز فوق الأزمات في المنطقة، بدءاً من إضافتها لشروط جديدة تعجيزية سعياً لعرقلة مبادرات المبعوث الدولي الساعية لتمديد الهدنة، والاتفاق على وقف الحرب، والبدء بمفاوضات الحل الشامل بين الأطراف كافة.
 وأشار المحلل السياسي اليمني إلى أن هذه المليشيات الإرهابية تسعى أيضاً للإبقاء على التوترات في المنطقة خدمةً لأجندة حلفائها الخارجيين، وهي تسوّق نفسها إقليمياً ودولياً بتهديدها طرق الملاحة الدولية ومصادر إمداد الطاقة في المنطقة، تناغماً مع ما تعانيه أوروبا من أزمة الغاز والنفط جراء حرب أوكرانيا.
وفي الآونة الأخيرة صرّح جنرال أميركي رفيع المستوى لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية بأن الولايات المتحدة تدعم الحوثيين في اليمن لمحاربة «الإرهاب الإسلامي»، وبأنها هي مَن سلمت اليمنَ للحوثيين، وهي مَن تدخلت لإنقاذهم وحالت دون سقوطهم بوضع الخطوط الحمراء حول صنعاء والحُديدة وصعدة، ومنعت الجيش اليمني من التقدم، وفتحت ميناء الحديدة لدعم الحوثيين بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.. وفي المقابل أسهمت في إفشال عمل الحكومة الشرعية وسعت لتفكيك الجيش اليمني ولمنع تزويده بالأسلحة الثقيلة والمتطورة!
الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام، قال في مقابلة تلفزيونية، بعد تصريحات الجنرال الأميركي بأيام، إنهم لم يدخلوا صنعاء إلا بعد التنسيق مع بعض السفارات. ووصف القيادي في حركة الحوثي عبدالكريم الخيواني، دعمَ الطيران الأميركي لجماعة الحوثي في الحرب ضد القبائل بأنه نوع من «المساعدة الإلهية لأولياء الله الصالحين»! 

وكان الجنرال الأميركي قد أشار في تصريحاته المذكورة إلى وجود اتفاقية مع الحوثيين، نص أول بند فيها على تمكينهم من اليمن مقابل قيامهم بخدمات محددة. وجاء التواري الأميركي مع سياسة بايدن، حيث وجد الحوثي ضالته في تخادم وظيفي مع أميركا التي رفضت إعادة تصنيفه منظمةً إرهابيةً، لتبدو وكأنها تتعامل معه بمستوى دولة.. وهكذا وجد الحوثي نفسَه تحت المظلة الأميركية، فلا يضيره أي طريق يسلكه!

*سفير سابق