حقَّق الحزب الجمهوري فوزاً مهماً في انتخابات منتصف المدة الأسبوع الماضي، وسيكون في إمكان أغلبيته الجديدة في مجلس النواب أن تحد من قدرة إدارة الرئيس جو بايدن على تمرير مشاريعها بسهولة، بخلاف الحال في العامين الأخيرين. لكنه ليس الفوز الكاسح أو «الموجة الحمراء» الكبيرة التي تجعل هذه الإدارة في الوضع الذي يُطلق عليه «بطة عرجاء»، أي غير قادرة على إنجاز أهم مشاريعها خلال العامين الباقيين قبل انتخابات 2024 الرئاسية. 
ومن الطبيعي أن تختلف التفسيرات بشأن ما أدى إلى تقليل خسارة حزب الرئيس مقارنةً بما كان متوقعاً. ويفيد تأمل أنماط التصويت في استنتاج أن هذه النتائج ترتبط بعوامل موضوعية أثّرت في اختيارات الناخبين، أكثر مما تعود إلى نجاح إدارة بايدن في تقليل الخسائر، أو تسبب الرئيس السابق دونالد ترامب في عدم تحقيق المكاسب التي بدت ممكنةً.
لقد أدى تعدد أولويات الناخبين، وتعارضها، في فترة أزمة سياسية واقتصادية كبيرة، إلى تصويت في اتجاهات متباينة. وظهر هذا بوضوح أكثر في حالات الناخبين المستقلين الذين لا ينتمون إلى أحد الحزبين أو لا يؤيدونه بشكل ثابت، والناخبين الجدد الذين بلغوا سن الاقتراع في العامين الأخيرين، والمترددين الذين يتأرجحون بين هذا الحزب وذاك من انتخابات إلى أخرى. ويُطلق على هؤلاء إجمالاً، في أدبيات الحكومات المقارنة، ناخبون وسطيون لا يقفون في هذا الطرف أو ذاك.
ويمكن تحديد ثلاثة أنواع من الأولويات، عمل اثنان منهما في مصلحة «الديمقراطيين» من دون أن يكون لهم الفضل في ذلك، بينما كان واحداً فقط في مصلحة «الجمهوريين». فقد تأثر قطاع يُعتد به من الناخبين الوسطيين، وخاصةً المنتمين للأقليات، بالخوف من حدوث «تسوماني أحمر» يزيد التعصب ضدهم. وأدى توسع نطاق الحديث عن «موجة حمراء» إلى تنامي مخاوف هؤلاء على مكاسب نالوها على صعيد المساواة الاجتماعية. واستفاد الديمقراطيون بالتالي من تحول توقعات «الموجة الحمراء» إلى فزَّاعة ساهموا في تكبيرها.
كما أفادهم دخولُ الإجهاض على خط انتخابات عامة كقضية رئيسية للمرة الأولى، في ظل تنامي تحركات المنظمات النسوية وتأثيرها، وبعد أشهر قليلة من إلغاء المحكمة العليا حكماً سابقاً يجيزه، وإحالة الأمر إلى المجالس التشريعية في كل ولاية على حدة لإصدار القوانين المتعلقة به. وقد أُصدر ذلك القرار نتيجة وجود أغلبية من القضاة المحافظين المحسوبين على الاتجاه المتشدد في الحزب الجمهوري.
ولهذا قلَّ تأثير ارتفاع معدلات التضخم والقلق من حدوث ركود اقتصادي، بخلاف ما توقعه مراقبون كُثُر، وما بُنيت عليه توقعات «الموجة الحمراء». فقد أظهر أكثر من استطلاع أُجري لدى خروج ناخبين من مراكز اقتراع Exit Polls أن مَن اقترعوا على أساس الوضع الاقتصادي والمالي لا يزيدون عن نحو ثلث إجمالي مَن أدلوا بأصواتهم، بخلاف الحال في كثير من الانتخابات السابقة. وما زالت في الأذهان عبارة «إنه الاقتصاد يا غبي»، التي لخصت انتخابات عام 1992 الرئاسية حين فاز بل كلينتون، رغم النجاح الذي حققه الرئيس السابق جورج بوش الأب في السياسة الخارجية ومجالات أخرى لم يكن الوضع الاقتصادي بينها.
وهكذا كان الاقتصاد، لحُسن حظ إدارة بايدن أكثر منه لحُسن أدائها، واحداً من عوامل أثرت في انتخابات منتصف المدة، إذ لم تكن الأوضاع المعيشية الصعبة بفعل الارتفاع الكبير في معدلات التضخم هي الأولوية الأولى لدى معظم الناخبين الذين تعددت أولوياتهم، فأدت إلى نتيجة خالفت معظم التوقعات. 

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية