تزداد ارتباطاً، عاماً بعد آخر، التغيراتُ المناخيةُ بالأزمات الاقتصادية والتي تترك آثاراً كبيرة على اقتصاديات مختلف الدول وعلى المستويات المعيشية للناس، فالفيضانات والعواصف وندرة الأمطار واشتداد الحرارة وذوبان الثلوج تترك جميعُها تداعياتٍ خطيرةً ليس على المستوى الاقتصادي فقط، وإنما على جودة الحياة أيضاً بالنسبة لسكان كوكب الأرض. ومن هنا يلاحظ أن هناك استنفاراً عالمياً للحد من هذه التغيرات لتلافي بعض تداعياتها، حيث تختتم في منتجع شرم الشيخ بمصر هذه الأيام قمة المناخ «كوب27» بحضور 197 دولةً، مما يعكس الأهمية البالغة التي تحتلها قضية الارتباط القوي بين التغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية والتي أدت إلى عقد قمة المناخ سنوياً، حيث تستضيف دولة الإمارات القمة القادمة «كوب28» في عام 2023، وقد بدأت الاستعدادات من أجل التحضير لتنظيمها، وأعلن رسمياً وفي وقت مبكر عن جاهزية الدولة لاستضافة القمة في العام القادم.
والحقيقة أنه منذ القمة الأولى في عام 1994 تحققت بعض الإنجازات، وبالأخص فيما يتعلق بتطوير مصادر الطاقة النظيفة للحد من انبعاثات الكربون، حيث خفضت بصورة ملحوظة تكاليف إنتاج الألواح الخاصة بإنتاج الطاقة الشمسية، وهو ما أدى إلى سرعة انتشارها في السنوات الماضية، وذلك إضافة إلى طاقة الرياح ومصبات الأنهار والبدء في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وهنا تبرز ملاحظتان مهمتين للغاية، تكمن الأولى في ندرة الموارد التمويلية اللازمة لتنمية مصادر الطاقة النظيفة لدى كثير من البلدان، ولذا فقد ساعدت دولة الإمارات في إقامة محطات إنتاج الطاقة المتجددة في العديد من البلدان ووقّعت في الآونة الأخيرة شراكةً مهمةً مع الولايات المتحدة بمبلغ 100 مليار دولار للمساهمة في تمويل مصادر الطاقة البديلة في مختلف الدول. بينما تكمن الملاحظةُ الثانيةُ في توتر الأوضاع الدولية ونشوب الحروب، وهو ما يؤدي إلى تفويت الكثير من الفرص للتعاون من أجل مواجهة التداعيات المناخية.
ومن بين دول العالَم حققت دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً ملحوظاً في الاستعداد للتداعيات المناخية المرتقبة في السنوات القادمة، سواء في تطوير مصادر الطاقة النظيفة أو التعاون في مجال الاستمطار والذي سيساهم في تخفيض درجات الحرارة وزيادة رقعة المساحات الخضراء، إلا أنه ما تزال هناك بعض البنود الخاصة بحماية البيئة بحاجة إلى جهود إضافية، كتلك الخاصة بتحسين جودة البيئة.
ولنأخذ على سبيل المثال صناعةَ تدوير النفايات والتي تركزت في دول المجلس على معالجة مياه الصرف الصحي واستغلالها في إنتاج الأسمدة والمياه الصالحة للري، كما أن هناك اهتماماً بجمع مخلفات الورق المقوى، إلا أن بقية المخلفات لم تستغل حتى الآن، علماً بأنها تشكل ثروةً كبيرةً يمكن أن تُدرَّ مليارات الدولارات. ففي العديد من بلدان العالم تتنوع صناديق النفايات، كتلك المخصصة للزجاج والبلاستيك والورق، وهي منتجات واسعة الاستهلاك وتساهم عمليةُ تدويرها في المحافظة على الموارد الطبيعية وتحد من التلوث وانبعاث الغازات، إضافة إلى توفير فرص العمل وزيادة الدخل المحلي من خلال عملية التدوير.
وهنا يمكن الاهتمام بهذا الجانب بتنويع هذه الصناديق في دول المجلس والتي تقتصر الآن على بعض المجمعات التجارية، حيث تمكن الاستفادة من هذه الثروة لتكتمل مقومات الاهتمام بالمناخ والبيئة، ومن أجل جدوى مثل هذه الخطوة فإنه يمكن إقامة مراكز لتدوير النفايات في بعض أسواق الاستهلاك الكبيرة، كسوقي الإمارات والسعودية والكويت، بحيث يتم تصدير مواد إعادة التدوير إلى هذه المراكز من الأسواق الصغيرة نسبياً، مما سيشكل استفادةً للدول المصدرة والمستوردة معاً ويؤدي إلى حماية البيئة الخليجية، مع مردودات اقتصادية مجزية لكافة دول المجلس. وفي هذا الصدد يمكن للأمانة العامة أو لإحدى الجهات ذات العلاقة بالبيئة والمناخ إعداد مشروع متكامل للتنسيق بين دول المجلس لإحداث هذه النقلة النوعية ذات الجوانب البيئية والاقتصادية المهمة.
 
*خبير ومستشار اقتصادي