أيقظت ابنتي في الصباح، فقالت لي غاضبة: «ليه حضانة؟».. كان السؤال عن السببية في العملية التعليمية مباغتاً وبسرعة الصوت.

إن الإجابة عن بعض الأسئلة الطفولية أصعب من شرح مؤلفات ابن رشد. على نحو عامٍّ، يعاني الآباء والأمهات التساؤلات الفلسفية لأطفالهم، مثل ذلك السؤال الشهير: مَن الذي خلقنا؟ وتلك الأسئلة البسيطة والمعقدة عن كل ما يتعلق بفلسفة الحياة.

في أحيان كثيرة لا تجد العائلات حلاً سوى تعديل مسار الحوار، حتى لا تفتح الإجابةُ تساؤلاتٍ أكثر خطورةً، والبعض يفضِّل الابتسامة والشعور بالسعادة لأن مَن كان رضيعاً قبل قليل بات يسأل اليوم عن جوهر الحياة والوجود.

في عام 1933، ظهرت دراسة عن التطور المعرفي للباحث جان بياجيه، وهي الدراسة التي قضتْ بأن معظم الأطفال في سن الحادية عشرة والثانية عشرة غير قادرين على التفكير الفلسفي، إنهم ببساطة لا يستطيعون التفكير قبل التفكير.

وفي الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا لا تتم دراسة الفلسفة في المدارس الابتدائية أو الإعدادية، بل تتم دراسة مقدمة للفلسفة في المرحلة الثانوية، وذلك استنادًا لكوْن الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة الثانوية غير قادرين على التفكير الفلسفي، وأن وضع منهج للفلسفة في ذلك العمر المبكر لن يؤدي سوى إلى إرباك الطفل وتشتيت قدراته العقلية.

على الجانب الآخر، يرى آخرون أن الطفل يمكنه التفكير الفلسفي في سنّ صغيرة، وحسب موسوعة «ستانفورد» للفلسفة، فإن دراسات عديدة حول أطفال صغار تمكنت من رصد تساؤلاتهم المهمة، أحدهم في الرابعة من عمره كان يشاهد الطائرات حين تصعد لأعلى يصغر حجمها ثم تختفي، ولما ركب الطائرة للمرة الأولى وطارت فوق السحاب قال لوالده: الطائرة لم تصبح صغيرة هنا!

بينما قال طفل في السادسة لوالده: أبي.. كيف يمكن أن نتأكد أن كل شيء ليس حلماً وأنه حقيقة؟! وفي نقاش لعدد من التلاميذ داخل مكتبة، دارت الأمور على النحو التالي: كم عدد ذرات الرمل الموجودة في العالم؟

قال الثاني: هناك رقم محدد على الرغم من أننا لا نعرفه. وقال الثالث: سوف تبدّد الرياح الرمال وتنثرها، وسوف نعيد الإحصاء من جديد. ثم قال أحدهم: كم عدد الأشجار في العالم؟ وكان الرد: هذا أسهل من ذرات الرمل، حيث يمكن عدّها.

وقال ثالث: في الوقت الذي ستقوم فيه بالعدّ يكون قد سقط بعضها على الأرض وبعضها بدأ النمو. ثم قال أحدهم: هل للفضاء حدود؟ ماذا يمكن أن يحدث إذا ذهبت إلى نهاية الفضاء وحاولت مدّ يدك؟

إن هذا النقاش المثير لتلاميذ دون المرحلة الثانوية دلالة إمكانية على عمل حوار فلسفي في وقت مبكر. في جامعة واشنطن، تأسس «مركز الفلسفة للأطفال»، وحسب أستاذة الفلسفة مور لون، مديرة المركز ومؤلفة كتاب «الطفل الفلسفي»، يجب التعامل مع تساؤلات الأطفال بجدية: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟

لماذا توجد كراهية في العالم؟.. إنها أسئلة وجودية كبرى تجب إجابتهم عنها بطريقة بسيطة من أجل تنمية عقولهم. الإجابة عن تساؤلات الأطفال الفلسفية ليست بالأمر السهل، وأحياناً أجد الإجابة عن تساؤلات ابنتي أصعب من النظرية النسبية!

*كاتب مصري