سيكون من الإجحاف محاولة اختزال النسخة التاسعة من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي في مقال مهما قيض لذلك الرأي من مساحة، إلا أن ما يميز الملتقى هى تلك الهوامش الواسعة لتمايز الآراء حول القضايا المنظورة من قبل المنتدين، والقاسم المشترك بين كافة جلساته هو بالتأكيد من ما يمثله الإقليم حضوراً جيواستراتيجيا، جيوسياسياً وجيواقتصادياً، والإقليم هنا هو شبه الجزيرة العربية، وتحول نموذجها بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى مركز استقطاب وتأثير على مسارات السياسة الدولية.

وربما أن المصطلح الذي ابتدعه (أو استحضره) رئيس المجموعة الأوراسية Eurasia Group السيد كليف كابتشان «إن المسار الخليجي قد انعتق من المرساة الأميركية، وعلى واشنطن الاعتراف بذلك وتقبله»، وذلك تحديداً ما مثل الفيل في الغرفة طيلة أيام الملتقى مهما طغت اللغة الدبلوماسية.

وتعد جزئية «بالخاطئ والمخيب للآمال» لرئيس تحرير «ذي ناشيونال انترست»، جيكوب هيلبورن في وصف قرار «أوبك+» خفض الإنتاج، وما مثله ذلك القرار من نقطة تباين مركزية سجلت حضورها على مسار الجلسات وعلى هوامشها في فضاء من الأريحية والمهنية، وهي المستهدف في مثل هذه الملتقيات.

ما تقدم يقودنا لطرح السؤال التالي: هل تعاني العلاقات الخليجية الأميركية من أزمة ثقة؟ وهل إرث العلاقات التاريخية كفيل بتذليلها قبل إن تتأصل في القاموس السياسي عبر الإدبيات الأميركية؟ أرق واشنطن من انعتاق القرار الخليجي لا يوجد ما يبرره على أرض الواقع، فالعلاقات الاقتصادية رغم تراجع ميزان التجارة فيما بينها، إلا أن الولايات المتحدة وأوروبا هما أكبر شركاء المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في علوم الذكاء الصناعي ومشتقاته، وكذلك في القطاعات الصناعية (المدنية والدفاعية).

أما افتراض واشنطن أن التحولات التي يفرضها الاقتصاد قد تتحول إلى أخرى سياسية، فإنه افتراض لا يستند إلى واقع ملموس. وإن الحيز الاقتصادي الذي تشغله الصين اليوم اعتمد على نقل وتوطين معرفة صناعات أميركية وأوروبية، وأن تحول الصين لأكبر شريك تجاري لأكبر الاقتصادات الخليجية هو حتمي ويفرضه واقع النمو شرقاً.

رسالة دول المنطقة قد عبر عنها معالي الدكتور أنور قرقاش بكل اقتدار، وربما بات على واشنطن إعادة غربلة دبلوماسيتها بما يتناسب ومصالحها الاستراتيجية انطلاقاً من تكافل المصالح لا هيمنة المنظور الأميركي اقتصادياً، وسياسياً واجتماعياً.

التحديات التي مر بها العالم منذ عهد جائحة كوفيدـ19 والتي تعمقت نتيجة لها من الطاقة، لسلاسل الامداد ومنها إلى الأزمة الأوكرانية، تفرض نوعاً آخر من المسؤولية الدولية المشتركة، ونموذج الشرق الأوسط وحضوره الحيوي قد بلغ مرحلة من النضج المؤثر، وإن هذا الشرق الجديد لن يقبل أن يكون جغرافيا للتطاحن العبثي بين الأقطاب. عظيم الشكر والتقدير للدكتورة ابتسام الكتبي ومركز الإمارات للسياسات على نجاحهم في تنظيم النسخة التاسعة من الملتقى.

* كاتب بحريني