بمشاركة دولية وحضور عدد كبير من قادة ورواد الفكر والخبراء والمختصين بقطاع الإعلام في العالم استضافت أبوظبي مؤخراً فعاليات الدورة الأولى من «الكونغرس العالمي للإعلام»، تحت عنوان (صياغة مستقبل قطاع الإعلام). صحيح أنني لست متخصصاً في مجال الإعلام، لكني مؤمن بأهمية المؤتمر انطلاقاً من المسؤولية العالمية، التي تلتزم بها الإمارات في التنمية البشرية، خصوصاً وأن صناعة الإعلام مرتبطة بثورة الاتصال والمعلومات التي ما تزال في أوجها من جهة استخدام الذكاء الاصطناعي فيها وأعلى تقنيات الاتصال الرقمي، إلى جانب انفتاحها على أفكار جديدة وفريدة مع استمرار تطويرها باعتبارها صناعة مؤثرة في نمو الدول والكيانات الكبرى، التي تدرك أن الاستثمار في هذا القطاع مهم جداً.
من هذا الباب يمكن أن يشكل المؤتمر وما صاحبه من فعاليات فرصة لإحداث قفزة جديدة في قطاع الإعلام، ليس على صعيد المنطقة فحسب، بل على مستوى عالمي، خصوصاً وأن الدول المؤثرة تتنافس في صناعة المستقبل، وهي التي تقوم حالياً وبشكل أساسي على صناعة التكنولوجيا والاتصال الرقمي، وهما مرتبطان بالضرورة بالإعلام الذي اتخذ مساراً مختلفاً منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
بإمكاننا القول إن المؤتمر شكّل منصةً مميزة لعدة مؤسسات بحثية وإعلامية لمناقشة فرص التعاون والشراكات في ما بينها، وبما يسهم في تطور الإعلام، وضمان استدامته على المدى البعيد، مع مواصلة السعي لتقديم محتوى يقوم على الموثوقية والمصداقية بالدرجة الأولى.
وليس ذلك هو الهدف الوحيد لتلك الشراكات، حيث يعتبر توظيف الكادر البشري جانباً مهماً من جوانب بحث تلك المؤسسات، وكيفية استثمار خبرات العاملين الأكفياء في مجال الإعلام وعلومهم، وإجراء البحوث التي من شأنها أن تساعد في الإضاءة على مساحات جديدة في الإعلام وتقنياته والتي لم تستثمر بعد، من أجل تمكين قطاع ما يزال يحظى بأهمية كبرى في العالم، لكن مستقبله ما تزال معظم زواياه غير مُكتشفة أو غير معلن عنها حتى اليوم.
إن مستقبل الإعلام الرقمي بما طرأ عليه من تحوّل بعد كوفيد-19، ومستقبل الإعلام ما بعد الرقمي يضع صنّاعه في مواجهة حقيقة بالغة الأهمية، وهي ماذا بعد التقنيات التي وصل إليها العالم، كيف يمكن السيطرة على سياسات تضليل الرأي العام العالمي خصوصاً إذا علمنا أن 59% من سكان العالم يستخدمون منصات التواصل الحديثة نحو 59%، وأن متوسط الاستخدام اليومي لكل فرد هو ساعتان و29 دقيقة حسب أحدث بحث نشرته المؤسسة البحثية البريطانية غلوبال ويب إندكس Global WebIndex.
وهنا يجب أن لا نغفل عن حقيقة أن مستخدمي تلك المنصات مقسومون بالضرورة بين صنّاع محتوى يحاولون إيجاد سبل وأفكار مبتكرة -بعضها خطير- من أجل الترويج لمحتوى حساباتهم الإلكترونية، ومستهلكون يتلقون المعلومات على اختلاف اهتماماتهم وفي إطار الوعي الذي يمكن أن يحصّنهم مما يقدم أو يجرفهم إلى طريق منحرفة، لكن خلف الكواليس «صُنّاع سياسات» لا ندرك إلا بعض مآرب النذر اليسير منهم.
وبرأينا أن أغلبية «الإعلام الحديث» هو أخطر بكثير من الإعلام التقليدي، ودور بعضه مشبوه حتماً لأنه بالنتيجة يدمّر الإنسان غير المحصن بالوعي والمعرفة، ومن أهم أهدافه كما نراها السيطرة على سوق الإعلام والترفيه التي يمكن بالفعل أن تغيّر الرأي العام وتوجهه نحو أفكار بعينها.
الإمارات وبعد استضافتها مؤتمر (صياغة مستقبل قطاع الإعلام) أوجدت الفرصة لوضع مسائل حيوية ومهمة على طاولة بحث متخصصين في صناعة التكنولوجيا والإعلام والتسويق من بينها بحث واقع الإعلام اليوم، صناعة المال باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والأخطر من ذلك مواجهة صناعة الإيديولوجيات المتطرفة والجهل.