كان اللقاء بين الرئيسين الأميركي والصيني الحدث الأبرز في القمم الثلاث التي عُقدت كلها في شرق آسيا الأسبوع الماضي. حقَّق هذا اللقاء تحسناً نسبياً في أجواء العلاقات التي عكَّرتها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايبيه في أغسطس الماضي. لكنه لم يحقق تحسناً مماثلاً في هذه العلاقات نفسها، سواء السياسية بسبب النزاع بشأن قضية تايوان، أو الاقتصادية والتجارية حيث يُخشى أن يتحول التنافس فيها إلى صراع. ولهذا بقي التوازن الصعب بين الدولتين الكبيرتين هشاً، وإن بدرجةٍ أقل مما كان في الأشهر الأخيرة.
أما أجواء قمة العشرين، التي عُقد هذا اللقاء على هامشها، فبدت أفضل برغم حضور الخلافات بشأن الحرب في أوكرانيا في قلبها. ومع ذلك فإذا أخذنا في الاعتبار أن مجموعة العشرين منتدى اقتصادي بالأساس، نجد مؤشراتٍ على نجاحها. فقد أتاح تنوع أعضائها فرصةً لمشاوراتٍ حول سبل مواجهة أزمة الاقتصاد العالمي، ومتطلبات النمو الاقتصادي المكافئ بين الدول المتقدمة والصاعدة. وحتى على المستوى السياسي، كانت أجواء القمة أقل توتراً من اجتماع وزراء خارجية المجموعة في أول أبريل الماضي حين انسحب وزير الخارجية الروسي منه. ورغم أن الحرب في أوكرانيا أحدثت تغييراً في أنماط العلاقات في مجموعة العشرين، وأثَّرت في التوازن الذي يضبط إيقاعَها، فقد كان إيجابياً خلوُّها من أية مواجهة علنية بسبب تلك الحرب.
وقبيل قمة العشرين، كان بايدن حاضراً مع رئيس وزراء الصين في قمة رابطة آسيان في بنوم بنه، حيث تبادلا التحية خلال العشاء الذي أُقيم مساء 12 أكتوبر. والأرجح أن حرص بايدن على ضبط عباراته عن الصين، خلال كلمته أمام هذه القمة، يعود إلى أولوية الصراع ضد روسيا في السياسة الأميركية اليوم. لكنه سعى، في المقابل، إلى تعزيز حضور بلاده في رابطة آسيان ودولها العشر، لمواجهة تمدد الصين الإقليمي، فأعلن التوصل إلى اتفاق على شراكة استراتيجية شاملة مع هذه الرابطة التي قال إنها تقع في قلب سياسة واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وكان واضحاً أنه أراد معادلة الشراكة المماثلة التي أُبرمت بين الصين ورابطة آسيان في العام الماضي، والمحافظة على التوازن الهش في العلاقات بين الدولتين الكبيرتين معها. وتعود هشاشة هذا التوازن، في أحد أهم جوانبها، إلى اختلاف سياسات دول الرابطة تجاه كل من واشنطن وبكين. فالعلاقات التي تربط دولاً مثل إندونيسيا وسنغافورة وكمبوديا بالصين أقوى، بخلاف الحال بالنسبة لفيتنام والفلبين وماليزيا الأقرب إلى واشنطن بسبب نزاعاتها مع بكين في بحر الصين الجنوبي الذي يمر عبره نحو ثلثي التجارة العالمية.
ولم تختلف التفاعلات في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك)، التي انتقل معظم المشاركين في قمتي «آسيان» و«العشرين» إليها، ومعهم قادة دول أخرى مثل المكسيك وشيلي.. فكانت هشاشة التوازن، وخاصةً بين بكين وواشنطن ظاهرةً فيها أيضاً.
ويبقى السؤال الأساسي بُعيد هذه القمم متعلقاً بما ينتظر العالم في ظل التوازنات الهشة الغالبة في العلاقات الدولية منذ اندلاع حرب أوكرانيا.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية