تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال قمة العشرين، في مدينة بالي الأندونيسية، الأسبوع الماضي، من عرض رؤيتها الشاملة لمواجهة التحديات التي يشهدها العالم واستعراض منهجها في تعزيز التنمية المستدامة بما يخدم البشرية جمعاء ومستقبل الأجيال القادمة.
وتقوم رؤية دولة الإمارات، حسب ما وضحها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، في الجلسة الرئيسية للقمة السابعة عشرة لرؤساء دول مجموعة العشرين وحكوماتها (G20)، على النهج المتوازن والالتزام وتسخير الإمكانيات لتحقيق الاستدامة، حيث بيّن سموه، التزام دولة الإمارات بمسؤولياتها في أسواق الطاقة وأجندتها الرائدة في قطاع الطاقة النظيفة. وتجسيد هذا الالتزام، بدليل حي، وهو الاستثمار بقيمة 50 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة في أكثر من 40 دولة عبر العالم.
إضافة إلى ذلك، قامت دولة الإمارات بالشراكة مع جمهورية إندونيسيا الصديقة، بتأسيس «تحالف القرم من أجل المناخ»، الذي يهدف إلى دعم وتعزيز وتوسيع مساحات غابات القرم عالمياً كأحد الحلول القائمة على الطبيعة لمواجهة تحدي تغير المناخ، وجهود امتصاص وعزل انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً، حيث تساهم أشجار القرم في تعزيز مواجهة تداعيات التغير المناخي مثل الأعاصير، والعواصف، والفيضانات، والتي تعد مخزناً للكربون بنسبة تصل إلى أربعة أضعاف الغابات الاستوائية المطيرة البرية، وتوفر مناطق خصبة وموائل طبيعية آمنة للتنوع البيولوجي البحري، وتعتمد 80% من مجموعات الأسماك العالمية على النظم الأيكولوجية الصحية لأشجار القرم.
وبالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أطلقت الإمارات مبادرة «تسريع تحول الدول النامية نحو الطاقة المستدامة» من خلال تشجيع الاستثمار في الطاقة النظيفة في الاقتصادات الناشئة وسد الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية، وكذلك ضمان عدم تعثر الجهود العالمية للحد من الانبعاثات وإعطاء الأولوية للمشاريع التجارية في البلدان النامية وذات الدخل المنخفض بالإضافة إلى تقديم المساعدة الفنية والمالية لها وتحفيز الابتكار في مجال الطاقة النظيفة ونشرها.
رؤية دولة الإمارات في مواجهة التحديات التي يشهدها العالم، أصبحت مساحة بحث علمية وسياسية واقتصادية في معظم منصات العالم، حيث بات يُعرف عن دولة الإمارات الجدية وأيضاً الالتزام الكامل والمتابعة والتقييم الدائمين، وقد شدد صاحب السمو رئيس الدولة، في كلمته التاريخية، على استمرار دولة الإمارات بوصفها مركزاً اقتصادياً عالمياً، في بذل أقصى الجهود لضمان استدامة سلاسل الغذاء والدواء وتسخير إمكانياتها وموانئها وطيرانها لدعم مبادرات وأهداف الأمن الغذائي.
رؤية دولة الإمارات الشاملة، التي تفكر في الأجيال القادمة، وفي مستقبل أفضل مستدام، تدرك أهمية وضرورة مواجهة التحديات الأساسية، من خلال التحرك السريع، وعدم المماطلة والتسويف. رؤية تقدم دائماً نماذج تنفيذ حية، تدفع وتشجع على العمل الدولي المشترك، ففي «تحدي التغير المناخي» مثلاً، أعلنت الإمارات انضمامها للتحالف العالمي عالي الطموح لإنهاد التلوث البلاستيكي، والذي يستهدف القضاء على إشكالية هذا النوع من التلوث بحلول 2040، عبر تطوير أدوات دولية طموحة مستندة إلى نهج شامل يضمن اتخاذ سلسلة من إجراءات المعالجة العاجلة والفعالة على طول سلاسل إنتاج واستهلاك وإعادة استخدام البلاستيك. والذي تتماشى أهدافه مع الالتزامات الطوعية للدولة بمكافحة التلوث على مستوى كافة القطاعات والمجالات، والحد من آثاره السلبية على البيئة.
في دورة مؤتمر دول الأطراف Cop28 التي ستستضيفها دولة الإمارات في العام 2023، سوف يتمكن العالم من مناقشة رؤية الإمارات الشاملة، والاطلاع على إنجازات الدولة العديدة في تنفيذ الرؤية والخطوات الواسعة التي حققتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وقضايا الأمن الغذائي والزراعة الذكية والتعامل مع التحديات البيئية العالمية، وإدماج النظم الغذائية في جهود وآليات مكافحة التغير المناخي من خلال مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ» التي أطلقتها دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية، والتي تهدف إلى تعزيز وزيادة وتسريع وتيرة الاستثمار في الابتكار الزراعي الذكي مناخياً وعمليات البحث والتطوير على مستوى العالم.
من المؤكد أن الاتفاقيات والمبادرات التي أعلنتها وقدمتها دولة الإمارات، والمستندة على رؤيتها الشاملة مثل اتفاقية التنوع البيولوجي «CBD COP15» التي تهدف إلى تحويل 30% من مساحة اليابسة والمحيطات إلى مناطق محمية بحلول 2030، ووضع إطار عمل التنوع البيولوجي العالمي لمرحلة ما بعد 2030، وغيرها الكثير من الأفكار والمبادرات والمشاريع والاتفاقيات، على المستوى العالمي، كل هذا سيؤدي إلى توسعة شبكة الاهتمام الدولي بمواجهة التحديات من خلال العمل الحقيقي المشترك، والذي سيعمل أيضاً على تقريب وجهات النظر بين الشعوب التي تستشعر مخاطر تلك التحديات، باعتبارها تحديات مصيرية ومشتركة تستدعي وقوف الجميع لدعم وتنفيذ رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة الشاملة.

* لواء ركن طيار متقاعد