يأتي شهر ديسمبر من كل عام حاملاً معه حالةً مختلفة من الشعور بالاعتزاز بقيمة الوطن، ونرفع علم الوطن عالياً فوق البيوت والمباني، وتزداد الشوارع بهاءً بتلك الأضواء التي تلونها ألوان العلم. نقف على أعتاب المستقبل ونحن فخورون بعيد الاتحاد، ويحتفل معنا كل إنسان يعيش على أرض الوطن ويكتب الكُتّاب آلافَ الكلمات، وتجتر كتب التاريخ والمقالات الحكايات عن تلك اللحظة الفارقة من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971 يوم إعلان قيام الاتحاد.

على أعتاب هذه الاحتفالات، أقف وأتأمل تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، وأحاول أن أرصد بعض تلك التحولات التاريخية في المجتمع والمرتبطة بالكثير من عناصره كالطفل والمرأة والأسرة، وأثر تلك التحولات على الأمن المجتمعي، والنظر إلى مستقبلها، مستشرفة ما يمكن أن يكون عليه المستقبل اتكاء على التطور والعلاقة ما بين الماضي والحاضر. حين نفتح كتب التاريخ نرصد أن الطفل في المجتمع الإماراتي كان يولد رجلاً أو امرأة. فلم تكن الطفولة تُعاش كما يجب.

تحت قسوة المعيشة ما قبل النفط وتداعيات الطبيعة المعيشية للمجتمع الإماراتي فرض على الطفل الإماراتي أن تتحول سنوات عمره الأولى إلى سنوات عمل. فهو قيمة مضافة للقوة العاملة في الأسرة، خاصة مع سيادة نموذج الأسرة الممتدة حينها، والذي صاحبه سيادة نموذج الاقتصاد الأسري مع غياب حق الطفل في الحصول على التعليم المناسب. وكان التعليم حينها مقتصراً على التعليم الديني، وغابت العلوم الأخرى عن تنمية الطفل معرفياً، ولم نعرف المدارس بمعناها النظامي إلا في حالات نادرة.

ومع ظهور النفط والتحول الاقتصادي الذي دخلت فيه الإمارات والانفتاح على العالم، بدأت رحلة جديدة مع الطفولة. بعد قيام الاتحاد أصبح التعليم هدفاً من ضمن استراتيجيات الدولة الرئيسية والاندماج مع العالم وامتداد خطوط الاتصال بمختلف أشكالها. انخرط المجتمع الإماراتي داخل منظومة الحضارة الإنسانية الحديثة، واختلفت رؤية المجتمع والدولة للطفولة، وحصل الطفل الإماراتي على حقه في أن طفولته كما يجب أن تُعاش.

وتغيرت منظومة التعليم، وتطورت بشكل متسارع، وتغيرت بنية المجتمع وأصبح يتمتع برفاهية بفضل إدارة حكيمة من قيادتنا الرشيدة لموارد الدولة التي نقلت الدولة الإماراتية إلى دول العالم المتقدمة حضارياً واقتصادياً. حدث ذلك في فترة تحول زمني قصيرة، صاحبها تفكك مفهوم الأسرة الممتدة، والتحول التدريجي ناحية الأسرة النووية التي تكاد تكون هي النموذج السائد حالياً.

ولكن وسط هذا الزخم، تظهر في الأفق العديد من التحديات التي يجب ألا تتوه وسط صخب الفرح والاحتفالات. إن جودة الحياة العالية التي يتمتع بها المجتمع الإماراتي وبالتبعية الطفل وقوانين حماية الطفولة والحفاظ على الأطفال التي وضعتها الدولة على مدار الأعوام الماضية، والحرص على تطوير مناهج التعليم بصورة تواكب العصر والتطور التكنولوجي، كل ذلك يجب ألا يشغلنا عن تحديات تواجه حاضر ومستقبل الطفولة في الإمارات، فهي قضية أمن مجتمعي أساسية. وفي صدارة هذه التحديات التي يواجها الطفل الإماراتي، يأتي التراجع اللغوي الملموس للغة العربية، والذي لو استمر، من الممكن أن نصل إلى حالة اغتراب الطفل عن لغته الأصلية.

هذا يعني انفصالاً عن قيمنا وتاريخنا وموروثنا الإنساني لصالح ثقافات أخرى، فيعيش الطفل حالة نزاع ثقافي حاد ينتج حتماً أجيالاً ذات وعي مضطرب، وثقافة وهمية تحمل ظاهراً محلياً، ولكنها ذات مضمون اغترابي. التحدي الآخر المهم الذي تواجهه الطفولة هو انشغال الآباء الجدد عن تربية أطفالهم بحياتهم الشخصية، واندماجهم في عوالم افتراضية أو واقعية تأخذ الأهمية الأولى من الأسرة والأبناء وانفصال الحياة الشخصية لكلا الوالدين عن الحياة الأسرية بصورة صارخة تهدد الكيان الأسري ويسقط الطفل ضحية لهذا الانفصال، والذي حتماً يؤدي إلى الانفصال الفعلي بالطلاق أو الانفصال الإنساني. وللحديث بقية.

د. شما بنت محمد بن خالد آل نهيان*

*أستاذ زائر بجامعة الإمارات وأستاذ زائر بكلية التقنية العليا للطالبات بالعين.