التعليم والتعليم العالي محل البناء والتشييد ومحل التطوير والتجديد المستمر في كل الدول التي تنشد النهوض الحضاري والرفعة والتقدم، فهذا الزمن هو زمن التعليم والاستثمار الأمثل للدول الحية والواعية يكمن في الاستثمار في الإنسان.

دولة الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات ليست بالقصيرة جعلت من تطوير التعليم العام والتعليم العالي أولوية كبرى وقد قفزت قفزات نوعية في هذا المجال، فطوّرت التعليم العام، مناهج ومدرسين وأنشطة، كما طورت البنية التحتية للتعليم، مباني وإدارةً وخدماتٍ، وهو يجد اهتماماً ودعماً من أعلى هرم السلطة في البلاد، ويُنتقى له أبرزُ الكوادر الوطنية والأجنبية. وعملت الإمارات على تطوير التعليم العالي باستقطاب الجامعات العالمية، مثل «السوربون» الفرنسية و«جامعة نيويورك» الأميركية، كما قامت بتطوير جامعاتها، وافتتاح كل ما تحتاج له من الجامعات ومنها «جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية».

هذه الجامعة بدأت كبيرةً، وهي تتطور بدأبٍ مستمرٍ، وقد أثبتت نفسَها في العديد من الحقول التعليمية وتسعى لإيجاد مخارج جديدةٍ ومبكرةٍ للعديد من المشكلات الفكرية والمنهجية التي كانت وما زالت تكتنف التعليم العالي في الجامعات العربية والإسلامية بعد اكتمال بناها الإدارية والتعليمية، وبناء المنهجية العلمية برؤية تجمع بين الشمول والخوض في التفاصيل التي تؤدي إلى الغايات والأهداف العليا.. وتلك مهمة جلّى لا يتصدى لها إلا النوادر من الأفراد والمؤسسات.

من الطبيعي أن تواجه الجامعة تحديات تتجدد بناءً على احتياجاتها والمعوقات التي تقف في وجهها، ومن تلك التحديات أن حقل الدراسات الإسلامية يقع ضمن أحد فروعها واهتماماتها، وهو حقل مليء بالألغام، إن من حيث التسمية أو الموضوع أو التحديات، أما من حيث التسمية فإن التسمية بـ«الدراسات الإسلامية» اسم يعاني من الدقة في التعبير عن المضمون، فهل المقصود به «الدراسات الشرعية» أم كل ما يتعلق بالإسلام أو الإسلاموية؟ وهو ما تطرحه الجامعة في مؤتمرات علمية عالمية لإيجاد أفضل المخارج.

ومن حيث الموضوع فهو موضوع بالغ الحساسية والدقة لارتباطه بالدين الذي يشكل عنصراً كبيراً من عناصر الهوية الإماراتية وحماية الهوية وتنميتها وتطويرها في هذا العنصر الحيوي ليتوافق مع رؤية الدولة لماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهو أمرٌ يستحق كل اهتمام ووقت وجهد يبذل في سبيله.

أما من حيث التحديات فهي كثيرةٌ ومتعددةٌ، بعضها قديم وبعضها جديد، أما القديم فهو أن غالب الأدبيات التراثية المكتوبة في هذا المجال قديمةٌ جداً وكتبت لتناسب طبيعة وبيئة وبشراً ينتمون لزمان ومكان مختلفين تماماً عن الزمن المعاصر، وأما الجديد فهو أن هذا المجال الحيوي قد تم اختراقه عبر عقودٍ من الزمن من قبل «الجماعات الأصولية» و«جماعات الإسلام السياسي» والتي تغلغلت في مؤسسات التعليم والتعليم العالي ضمن خطةٍ منهجيةٍ معلنةٍ لديها للسيطرة على التعليم وبناء الأجيال وغسيل الأدمغة، فعاثت في هذا المجال فساداً وتخريباً، لا تنظيمياً فحسب بل منهجياً وفكرياً ودينياً.

الأسبوع الماضي عقدت الجامعة مؤتمرَها الدولي الثاني بعنوان «الدراسات الإسلامية في الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش»، وهي بداية من عنوان المؤتمر توضح حرصها وتفتيشها عن مخارج دينية وحضارية وإنسانية لتطوير هذا القطاع الحيوي، وتعزيز قيّم المواطَنة والتعايش.. مفرداتٌ جديدةٌ على التداول في شأن التعليم العالي وحقل الدراسات الإسلامية تحديداً، واختراع مناهج علمية وطرق بحث ومساقات أكاديمية لتطويره ليست مهمة سهلة بأي حالٍ من الأحوال.

وأخيراً، فقد استقطبت الجامعة لهذا المؤتمر فرقاء من المهتمين من كافة دول العالم، لا العالم الإسلامي أو العربي فحسب، بل من كل مكانٍ، وصدر بيانه الختامي وهو لبنةٌ مهمةٌ في طريقٍ طويل.

*كاتب سعودي