أحد المفاتيح الرئيسية لفهم عصرنا هو رؤية كل الطرق التي تبادل بها المحافظون والتقدميون المواقف والدوافع. إن موقف اليمين الشعبوي تجاه المؤسسات الأميركية متشكك وله نكهة السبعينيات، ومتشائم ويشعر بجنون العظمة، في حين أن اليسار السائد لديه احترام جديد لم يكن مألوفاً في مواقفه السابقة حيال مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية. ويحب اليمين القيام بمخالفات لمصلحته، بينما تنغمس التقدمية الثقافية في الرقابة وتخشى أن يتمادى التعديل الأول.
وقد تجلت هذه الانعكاسات بشكل خاص في عنوانين بارزين خلال الأسبوع الماضي. إذا قيل لك في أي وقت من الفترة بين عامي 1970 و2005، على سبيل المثال، إن رجلاً يبدو مضطرباً يعيش في منطقة خليج المكسيك وله تاريخ من تجارة القنب قد صَوَّرت له أوهامُه السياسيةُ التي تتسم بجنون العظمة خطةً للاعتداء على سياسي وطني مهم، كان الافتراض المعقول هو أن أوهامه تنتمي إلى أقصى أطراف اليسار.
وعلى نفس المنوال، إذا تم إخبارك أثناء رئاسة جورج دبليو بوش أن مجموعة من الوثائق الحكومية ستكشف أن وزارة الأمن الداخلي تحاول التواطؤ مع الشركات الكبرى لتنظيم عمل تعتبره خطيراً أو تخريبياً، سواء أكان يدخل في إطار التهديدات الخارجية أم التهديدات المحلية، كنتَ ستفترض أن كل هذا كان تجاوزاً من طرف «الجمهوريين» وأن التقدميين سيصارعون ضده.
لكن الأمور على خلاف ذلك في واقعنا الأميركي الآن، فالرجل الذي زُعم أنه هاجم بول بيلوسي أثناء مطاردة رئيسة مجلس النواب، كان ينتمي، على ما يبدو، إلى ثقافة اليسار، ثقافة الساحل الأيسر في الماضي غير البعيد. لكن في مرحلة ما من مساره، انتقل إلى جنون الشك لدى اليمين المتطرف، وعلى الأرجح بطريقة تشبه الحلم، حيث تناسب كوابيسُ «كيو أنون» (نظرية المؤامرة التي ابتدعها اليمين الأميركي) حالتَه العقليةَ أكثر من جنون العظمة لدى اليسار.
كانت نقطة النهاية العنيفة لرحلته مفردةً ومتطرفةً، لكن هذا النوع من الهجرة من اليسار إلى اليمين له ارتباطات طبيعية أكثر: تداخل العصر الجديد مع «كيو أنون»، وهجرة المشككين اليساريين السابقين في شركات الأدوية الكبرى في حقبة كوفيد إلى العروض والبرامج اليمينية، الطريقة التي يتم بها الآن وصف كل الشكوك حول المؤسسة الطبية على أنها يمينية ترامبية شعبوية.
كما أن رد فعل اليمين السياسي على هجوم بيلوسي يعكس هذه التحولات أيضاً. أصبحت أخلاق «لا تثق بأحد» قيمةً سائدةً الآن على اليمين، وهي التي شجعت قفزةً سريعةً من الأسئلة المعقولة حول تفاصيل الاعتداء، بناءً على معلومات أولية وتقارير غير دقيقة، إلى سرد محدد للغاية حول مهمة لشخص يفترض أن رجال الشرطة وعائلة بيلوسي كانوا يتسترون عليها!
حتى كتابة هذه السطور، تم حذف العديد من الإشارات العامة إلى هذه النظرية من المحافظين البارزين. لكن من المحتمل أن تبقى رواية التستر إلى أجل غير مسمى كنقطة مرجعية، «حقيقة» سرية، مثل المؤامرات اليسارية القديمة.
تنتمي إحدى التغريدات المحذوفة إلى إيلون ماسك، رئيس ومالك شركة «تويتر» الجديد.
لكن تم توضيح البديل لعهد ماسك من خلال التصوير الثاني الأخير لانعكاسنا من اليسار لليمين: قصة من موقع «ذا انترسيبت»، بقلم كل من لي فانج وكين كليبنشتاين، توضح بالتفصيل تحول وزارة الأمن الداخلي إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولتها الضغط على شركات الإنترنت لوضع علامات على المحتوى ومراقبته وفقاً للخطوط التي تفضلها بيروقراطية الأمن القومي.
هذه ليست قصة حزبية: وقصة موقع «ذا انترسيبت» هي منشور يساري، والنسخة الحالية من جهود وزارة الأمن الداخلي لمكافحة التضليل بدأت في إدارة ترامب.
ووفقاً لمسودة تقرير من وزارة الأمن الداخلي حصل عليه موقع «ذا انترسيبت»، فإن قائمة المواضيع التي تنشر عبر الإنترنت وتهتم بها الوزارة بشكل خاص تشمل «أصول وباء كوفيد-19 وفعالية لقاحات كوفيد والعدالة العرقية، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وطبيعة الدعم الأميركي لأوكرانيا..»، وهي في الغالب مجالات يكون فيها اليمين الشعبوي أكثر ميلاً للانشقاق عن موقف المؤسسة، سواء أكان ذلك من الحكمة أم من الحماقة.
وبالنسبة لمستقبل تويتر، على وجه الخصوص، من الجدير بالملاحظة أن قصة «ذا انترسيبت» أشارت أولاً إلى أن لجنةً تقدم المشورة لوزارة الأمن الداخلي بشأن سياسة التضليل ضمّت رئيسةَ السياسة القانونية والثقة والسلامة في تويتر، فيجايا جادي، ثم أشارت إلى أن جادي كانت أول من قام ماسك بفصله من الشركة. إنها إشارة ضمنية إلى التحول بين اليسار واليمين: تحت رئاسة ماسك، يُنظر إلى عملاق وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع على أنه يتحرك يميناً.
إن الهدف من التأكيد على هذا الانعكاس لا يعني أن أياً من الجانبين من المحتمل أن ينقلب إلى الوراء. تعكس المواقفُ المتطورةُ لليمين واليسار مواقفَهم المتطورة في المجتمع الأميركي، حيث أصبحت الليبرالية الثقافية أكثر هيمنة في المؤسسات النخبوية عما كانت عليه قبل جيل مضى، وأصبح التيار المحافظ سيئ السمعة على نحو متزايد، ويمثل دوائر انتخابية منخفضة المستوى وأفكاراً خارجية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»