بينما تتسابق الحكومات في تنفيذ مبادئ الثورة الصناعية الرابعة لتحقيق اقتصادات قائمة على التطبيقات التكنولوجية المستقبلية والمعرفة والابتكار، وتسخير مواردها في تأهيل كوادرها وفق متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، لتنويع مصادر دخلها، وبناء اقتصاداتها الوطنية، باغتت الثورة الصناعية الخامسة الجميع، وأخذتهم على حين غرَّة، فما الذي حدث؟ 
بالنسبة إلى كثير من الحكومات لا تزال الثورة الصناعية الرابعة هي الإطار المستقبلي الذي يجب التركيز عليه، والأساس الذي تعتمد عليه حاليّاً في توجيه استراتيجياتها. وتستند مبادئ الثورة الصناعية الرابعة إلى الاستفادة من التطورات في مجال تكنولوجيا المعلومات التي ترتكز عناصرها الرئيسة على الأتمتة والروبوتات، وتحليلات البيانات الضخمة، والأنظمة الذكية، والمحاكاة الافتراضية، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعلُّم الآلة، وإنترنت الأشياء.
وبينما لا تزال الحكومات والصناعات في منتصف هذه الثورة الرابعة، فإن الثورة الصناعية التالية في طريقها إلى أن تحلَّ مكانها، فما الثورة الصناعية الخامسة؟
يُعَدُّ مفهوم الثورة الصناعية الخامسة جديداً نسبيّاً، إذ إنها تهدف إلى ما هو أبعد وأشمل من الكفاءة والإنتاجية بصفتهما هدفَين وحيدَين تعتمد عليهما الثورة الصناعية الرابعة، وتتطلع -إضافةً لما سبق- إلى تعزيز دور الصناعة وإسهامها في المجتمع، وتضع رفاهية الموظفين والعملاء في قلب عملية الإنتاج، وتَستخدم تقنيات جديدة لتوفير الازدهار بما يتجاوز الوظائف، كما أنها مُكمِّلة لنهج الثورة الصناعية الرابعة من حيث تسخير البحث والابتكار على وجه التحديد في خدمة الانتقال إلى صناعة اقتصادات مستدامة مرتبطة برفاهية الإنسان ومرونة الأعمال، إذ إن الاستراتيجية التي تتمحور حول الإنسان تعزز المواهب والتنوع والتمكين.
وتتميَّز فكرة الثورة الصناعية الخامسة بالتركيز على التناغم مع الإنسان ومحيطه المجتمعي، لتحقيق رفاهية جميع أصحاب المصلحة من تنفيذ المشروعات، وهو التكامل بين الإنسان والأدوات التكنولوجية لزيادة رفاهية المجتمع، والموظفين، والعملاء، والشركات، وأصحاب الأعمال. ولا تقتصر الثورة الخامسة على المجالات الصناعية فقط، بل تتجاوزها لتكون منظومة قابلة للتطبيق في جميع القطاعات والتخصصات، ما يجعل مجال انتشارها أكبر كثيراً من الثورة الصناعية الرابعة التي ترتبط ارتباطاً شبه كامل بالمجالات الصناعية فقط.
هل يعني هذا أن كل ما تعلَّمناه وطبَّقناه من أساليب الثورة الصناعية الرابعة قد عفَّاهُ الزمن فعلاً؟
ليس بالضرورة، فالفكرة الرئيسية للثورة الصناعية الخامسة تتمحور حول الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة، وتسخير فوائدها للإنسان والمجتمع بوجه عام. وفي حقيقة الأمر، عند التفكير في متطلبات تنفيذ الثورة الصناعية الخامسة، لا بدَّ أولاً من المرور بالثورة الصناعية الرابعة، وإتمام متطلباتها التقنية والتدريبية للوصول إلى الكفاءة والإنتاجية، ومن ثَمَّ إعادة صياغتها ليكون محور فائدتها الإنسان واستدامة الصناعة.
ولذلك لا يمكننا الاستغناء عن الثورة الصناعية الرابعة، لأن إنجاز متطلباتها هو حجر الأساس الذي تستند إليه أركان الثورة الصناعية الخامسة، ولذا لن نقول أبداً: وداعاً للثورة الصناعية الرابعة.
دكتور/ خالد محمد المري
أستاذ مشارك وعميد البحوث في الجامعة البريطانية بدبي