تمتد العلاقات العربية الصينية لأكثر من ألفي عام، وهي تعود إلى التجارة عبر طريق الحرير القديم الذي أوجد روابط ظلت عبر القرون في استقرار حتى يومنا هذا. وقد تمخضت عن التعاون القديم بين الجانبين طفرة تاريخية متميزة في الوئام والتفاهم والود المتبادل، وهو ما تُوّج بدعم الدول العربية مجتمعةً لمبدأ الصين الواحدة بعد أن أصدرت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بياناً أكدت فيه على ضرورة الالتزام بهذا المبدأ واحترامه.
ويقوم الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية بزيارة تاريخية للمنطقة العربية، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية خلال الفترة بين يومي 7 و9 ديسمبر الجاري. وتعقد خلال هذه الزيارة ثلاث قمم مهمة: قمة سعودية صينية، وقمة خليجية صينية، وقمة عربية صينية. ويتصدر هذه القمم الملفُ الاقتصادي كمحرك أساسي مشترك، وذلك إيماناً بنظرية «السياسة عربة يجرها الاقتصاد». وهنا تكمن أهمية تكريس العلاقات بين دول المنطقة والصين، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين وصل في السنوات الأخيرة إلى نحو 300 مليار دولار أميركي.
في لمحة بسيطة وسريعة عن الاهتمام الصيني بمنطقة الشرق الأوسط، يجري الحديث حالياً عن مشروع مارشال الأميركي الذي أعاد تشكيل أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي ساهم في نمو الاقتصاد الأميركي نفسه عبر تصدير منتجاته وصناعاته إلى أوروبا كمؤشر لنجاح المشروع وحصد منافعه من جميع الأطراف. وهذه المقاربة مهمة لفهم حرص الصين على بناء مشروعها الكبير (الحزام والطريق)، الذي يمتد من الصين شاقاً شبكة من الطرق المتعددة بين القارات، وهو يقوم على الشراكة التجارية بين الصين وبين كل الدول التي يمر بها، مستهدفاً تحقيق النمو الاقتصادي للصين وتوفير العيش الكريم لمليار ونصف من البشر داخلها وتحويل هذه الطاقة البشرية من عبء إلى قيمة منتجة، رغم احتياطياتها التريليونية من الدولارات. وهنا تكمن قوة الصين في قوة مستهدفاتها التنموية، ففكرة مشروع الحزام والطريق تتلخص في استيراد المواد الأولية وتصنيعها ثم إعادة تصديرها على شكل منتجات جاهزة. وهذا مع العلم بأن الصين أكبر مستورد للطاقة، إذ تستورد نحو 10 ملايين برميل يومياً من البترول. وتتصدر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الدول الأكثر تصديراً للصين، بما تتجاوز قيمته 100 مليار دولار سنوياً.
وقد تفرّدت الصين خلال السنوات الأخيرة بثورة تقنية وصناعية توجت مكانتَها كقوة اقتصادية وتكنولوجية استطاعت أن تثبت أقدامها على أرض الواقع. فشركة هواوي لوحدها تبرهن على هذه الحقيقة، فضلاً عن أن أغلب شركات الولايات المتحدة الأميركية، وهي المحارب الأول للصناعات الصينية، معظم منتجاتها تأتي من الصين، وشركة أمازون مثال جيد على ذلك!
أصدرت وزارة الخارجية الصينية قبل أيام تقريراً شاملاً، من 159 صفحة، يتناول التعاون الصيني العربي، وقد استهلته بتعريف حول المنطقة العربية وتاريخها وعمق العلاقات العربية الصينية وقدمها في التاريخ. وجاء في بداية التقرير هذه الجزئية التي قد تختصر الكثير: «في ظل التغيرات غير المسبوقة التي لم يشهدها العالَمُ منذ مائة سنة، تواجه الصين والدول العربية فرصاً وتحديات تاريخية متشابهة، فهي تحتاج بشكل أكثر إلى تكريس الصداقة التاريخية وتعميق التعاون الاستراتيجي فيما بينها، والعمل يداً بيد على بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، وخلق مستقبل أجمل للعلاقات الصينية العربية سوياً». 

*كاتبة سعودية