أنظمة الحكم في العالم المتقدم أفقية، بعد أن همشت الكنسية وأبدلتها بالعلمانية. ورغم ذلك، فإن الذي يدير الدولة وليس الحكومة، هي «حكومة الظل» من أجل الحفاظ على خط سير الدولة العميقة بعيداً عن التوقف أو الترهل فضلاً عن التخلف والانهيار. 

أوضح مثال على ذلك نراه في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. أما تاريخ الدول الأخرى فشأنها مختلف، لأن الحروب كانت مشتعلة فيما بينها لا أقول لسنوات، بل لقرون عددا وعلى رأسها سويسرا، حتى ساعة قدوم «جان جاك روسو» وعقده الاجتماعي الذي ولَّد سويسرا اليوم. 
قبل الدخول في التفاصيل، لا بد لنا من معرفة مفهوم «حكومة الظل»، باختصار شديد هم مجموع رجالات الدولة الذين ساهموا بصورة أو أخرى في ترسيخ دعائم الدولة العميقة، يعني أنهم جذورها وأعضاء الحكومة هم أعضاؤها التي تتغير وتستبدل مع كل دورة انتخابية أو تشكيل وزاري في الدول التي تتمتع بوجود نظام انتخابي كلي أو جزئي. 
وليس بالضرورة أن يكون عضو حكومة الظل، من ضمن أعضاء الحكومة، فقد يكون رجل أعمال أو رئيساً لمركز دراسات استراتيجية أو عالماً من علماء الفكر في أي مجال تحتاجه الدولة سواء للمشورة أو لتنفيذ مشروع يخدم من خلاله الدولة. 
وليس بالضرورة أيضاً، أن يكون هؤلاء ممن تعرفهم الناس، بل بعضهم أشخاص صامتون وكتومون بلا ألقاب ولا مسميات رسمية، ينفعون الدولة أكثر من الرسميين في الحكومة. وللتوضيح أكثر، نقول عن عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كان عدد أعضاء حكومة الظل قرابة الألف عضو، وفي عهد جو بايدن قارب العدد 2000، في حين بلغ أفراد الحكومة الأميركية حول 4000 عضو. 
أحد أشهر هؤلاء الأعضاء، هنري كسينجر، البالغ من العمر الآن مائة عام، أي عاش قرناً بالتمام والكمال، ولا يزال يخدم دولته ولا أقول حكومته، لأنه ليس جزءاً منها، ويتقاطع معها كثيراً، ولكنه لا يختلف مع الدولة الأميركية قيد أنملة، وهو الشخص الوحيد في أميركا يملك الحق في الاتصال برئيس الولايات المتحدة في أي وقت شاء، لأنه يملك الرقم السري للرئيس كائناً من كان. 
أما في بريطانيا، تسمى حكومة الظل بالمعارضة الوفية، هي حكومة غير موجودة على الخريطة التنفيذية، ومهمتها توجيه النقد للحكومة القائمة على رأس عملها.
هذه الحكومة يتم تشكيلها من قبل حزب غير مشارك في الحكومة التنفيذية، وذلك في حالة سقوط الحكومة تكون هذه الحكومة جاهزة لتكليفها من قبل رئيس الجمهورية أو الملك وعادة ما تكون من الحزب الثاني في البلد. 
ميزة «حكومة الظل» في تلك الدول، أنها تعمق من جذور الدولة وتحافظ على ثوابتها وتزيد في مرونة متغيراتها، وتبقي على رجالاتها، دون تعرضهم للتهميش أو عرضة لأمراض التقاعد المبكر، وتحتوي الخبراء والمستشارين، وتفعل من أدوارهم ولا ترضى عن إهمالهم.

*كاتب إماراتي