يدور النقاش الاقتصادي الرئيسي في الولايات المتحدة في الوقت الراهن حول السؤال: إلى أي مدى يجب أن يكون الاحتياطي الفيدرالي قاسياً في جهوده لخفض التضخم؟ قلة من الاقتصاديين يجادلون ضد الحاجة إلى أسعار فائدة أعلى لتقليل الطلب، لكن هناك مفاضلات، على الأقل في المدى القريب. إذا كانت السياسة النقدية شديدة الصرامة، فقد يكون لدينا ركود لا داعي له، وإذا لم تكن صارمة بما يكفي، فسيستمر التضخم وربما يترسخ في توقعات الناس، لذلك سيكون من الصعب خفضه لاحقاً.
كما أن هناك سؤالاً حول مكان التوقف: حتى بعض الاقتصاديين الذين كانوا متشددين نسبياً، مثل أوليفييه بلانشارد (كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي)، كانوا يجادلون بأن خفض معدل التضخم إلى 3% بدلاً من الهدف الحالي المتمثل في 2%، سيكون جيداً بما فيه الكفاية.
وإلى حد كبير، فنحن نتحدث هنا عن موازنة المخاطر. لكن الطريقة التي تقدر بها هذه المخاطر تعتمد جزئياً على رأيك في مدى سوء التضخم. وإحدى الحجج التي طالعتُها كثيراً في الآونة هي أن التضخم سيئ لأنه يؤثر بشكل كبير على الأسر ذات الدخل المنخفض.
لكن هل هذا الادعاء صحيح؟ يبدو كما لو كان يجب أن يكون صحيحاً. ومن السهل جداً العثور على مشاهد من المعاناة غير المتكافئة في أميركا اليوم، حيث لا يزال 1% أو حتى الطبقة المتوسطة العليا يعيشون حياةً جيدةً، بينما يطلب العمال ذوو الأجور المنخفضة المساعدةَ من بنوك الطعام.
ومع ذلك، فإن عدم المساواة ليست أمراً مستجداً خلال العامين الماضيين، فقد كان من الممكن أن تجد مثل هذه المشاهد في أي وقت خلال العقود القليلة الماضية، حتى عندما كان التضخم منخفضاً، وإلى حد واجهت فيه الأسر ذات الدخل المنخفض معاناة أكبر مما واجهته قبل عام. ويمكن أن يُعزى الكثير مما يحدث الآن بهذا الخصوص إلى انتهاء المساعدات التي كان يتم تقديمها في حقبة الوباء، لا سيما الائتمان الضريبي الموسع للأطفال.
إذن ماذا يمكن أن نقول عن تأثيرات التضخم، وتحديداً على الأسر ذات الدخل المنخفض؟ ما تقوله البيانات على ما يبدو هو أن مثل هذه العائلات قد تأثرت في الواقع «أقل» من العائلات ذات الدخل المرتفع. صحيح، لأن الجميع لا يواجهون نفس معدل التضخم.
أولاً، دعنا نلاحظ حقيقة أساسية عن العامين الماضيين: كانت هذه الحقبة من التضخم المرتفع أيضاً حقبةَ أسواق العمل المحدودة للغاية. وعادة ما تؤدي أسواق العمل المحدودة إلى ضغط الأجور. كانت الزيادات في الأجور الأدنى أكبر منها في الأجور الأعلى.
يمكنك أن ترى هذه الظاهرة بوضوح في البيانات المأخوذة من متتبع نمو الأجور في بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، والذي يحسب من بين أشياء أخرى نمو الأجور السنوية لكل ساعة حسب الربع (أرباع توزيع الأجور).
كان نمو الأجور في الآونة الأخيرة أسرع بشكل ثابت بالنسبة للشرائح الربعية المنخفضة. وعلى مدار العام الماضي، كانت الأجور في الساعة للربع الأول أو الأدنى، قد ارتفعت تقريباً مع التضخم، بينما كانت أقل بكثير من التضخم بالنسبة للعمال ذوي الأجور الأفضل.
قام الخبير الاقتصادي العمالي «أريندراجيت دوبي» بتقدير التغيرات في الأجور في الساعة - حسب العُشر بدلاً من الربع - على مدى فترة أطول، منذ بداية الركود الوبائي. ووجد أن الأجور الحقيقية لأدنى 40% من العمال قد زادت بالفعل.
ويأتي مقياس مختلف إلى حد ما من عدم المساواة في الوقت الفعلي، والذي يديره الاقتصاديون في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، والذي يقدر التغيرات في دخل العامل الحقيقي. على عكس تقديرات الأجور بالساعة، تتأثر هذه الأرقام بالتغيرات في التوظيف وعدد ساعات العمل، كما أنها تشمل الدخل غير المرتبط بالأجور، مثل أرباح أصحاب الأعمال وعائدات الاستثمار. لكنهم يروون نفس القصة إلى حد كبير: زيادات كبيرة للنصف السفلي من توزيع الدخل منذ يناير 2021.
صحيح أن أفضل 10% قد أبلوا بلاءً حسناً، وربما يعكسون أرباحاً أعلى. لكن مرة أخرى، يبدو أن العمال ذوي الأجور المنخفضة قد أدوا أداءً جيداً نسبياً في مواجهة التضخم.
إذن، هل فكرة أن التضخم يضر بشكل خاص بالعائلات ذات الدخل المنخفض خرافة؟ حسناً، عادة ما نقيس التضخم باستخدام مؤشر أسعار المستهلك، الذي يقيس تكلفة السلع والخدمات المشتراة من قبل الأسرة المتوسطة. لكن العائلات ذات الدخل المنخفض تنفق حصة أعلى من المتوسط ​​من دخلها على الغذاء والطاقة، وهما أيضاً الفئتان اللتان شهدتا أكبر معدل تضخم مؤخراً.
وتشير حساباتي التقريبية إلى أنه حتى عندما تأخذ تكاليف الغذاء والطاقة هذه في الاعتبار، فإن أداء الأسر ذات الدخل المنخفض يكون أفضل، وليس أسوأ، من الآخرين، على الأقل من حيث تأثيرات التضخم.
ما نتجادل بشأنه حقاً هو سياسة الولايات المتحدة، والارتفاع الاستثنائي في أسعار المواد الغذائية والطاقة ليس نتيجة للسياسة الأميركية، وليس من المرجح أن يتأثر كثيراً بالسياسة الأميركية في المستقبل. 
لا شيء من هذا يقول إن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا ينبغي أن يحاول خفض التضخم. لكن لا يجب أن تتذرع بمحنة الفقراء كسبب لشح الأموال. إن شح الأموال، من خلال التسبب في مزيد من الركود في أسواق العمل وبالتالي المزيد من البطالة، سيضر بشكل غير متناسب بالعمال ذوي الأجور المنخفضة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»