خلال رحلته المشحونة بالعواطف إلى أرض أسلافه، قال الرئيس الأميركي جون كينيدي في كلمة ألقاها على جمهور مرحِّب في مدينة كورك الأيرلندية في يونيو 1963: «إن معظم البلدان تصدِّر النفط أو الحديد أو الفولاذ أو الذهب أو نوعاً ما آخر من السلع والمحاصيل، ولكن أيرلندا لديها نوع واحد فقط من الصادرات، ألا وهو سكانها».
كانت النية من وراء هذا التصريح حسنة، ولم يكن يقصد بها الإساءة أو ما شابه. فصعود كينيدي نفسه إلى البيت الأبيض جعل النزوحَ الجماعي من أيرلندا يبدو أشبه بقصة صعود من الفقر إلى الغنى ذات نهاية سعيدة. غير أنه بالنسبة لأولئك الذين بقوا في أيرلندا، أصاب تصريح كينيدي وتراً حساساً لديهم لأنه كان قريباً من الحقيقة. ذلك أنه إذا كانت الصادرات الوحيدة لبلد من البلدان هي أبناؤه وبناته، فهذا يعني أنه مكان لا يطيب فيه العيش.
والأرقام تحكي قصة ديموغرافية كئيبة في الواقع. ففي 1841، وجد إحصاء سكاني أن سكان أيرلندا يبلغ 8.2 مليون نسمة. وفي 2022، وعلى الرغم من أن سكان العالم تضاعفوا نحو ثماني مرات منذ القرن 19، وحتى بعد فترة نمو سكاني سريع حديثة عرفتها الجزيرة، إلا أن مجموع عدد سكان أيرلندا وأيرلندا الشمالية معاً هو 7 ملايين نسمة فقط. والواقع أنه ينبغي الحذر في الحديث عن الاستثناء والخصوصية، غير أن هذا الانخفاض استثنائي حقاً، ولا سيما أنه في ما عدا «مجاعة البطاطس» المروعة التي عرفتها البلاد في أربعينيات القرن التاسع عشر، لم يمت الأيرلنديون بأعداد كبيرة جراء حروب أو كوارث.
ولكنهم غادروا البلاد. فبعد رحيل اللاجئين هرباً من المجاعة في البداية، غادر الأيرلنديون بلادهم اختياراً، جيلاً بعد جيل. وخلال الفترة الممتدة بين ثلاثينيات القرن 19 وخمسينيات القرن 20، هاجر 8 ملايين شخص من الجزيرة. ومنذ ذلك الحين، هاجر مليون أيرلندي آخر تقريباً إلى الخارج، وخاصة خلال ثمانينيات القرن الماضي حين ألمّ بالاقتصاد الأيرلندي ركودٌ اقتصادي طويل.