تطور كبير حدث في العلاقات العربية الصينية خلال العقدين الأخيرين، وتحديداً منذ عام 2004. كان منتدى التعاون الذي أُعلن تأسيسه في ذلك العام مُحرِّكاً لهذه العلاقات نحو الأمام. وإلى جانب الاجتماع الوزاري، الذي يُمثّل الآلية الرئيسية لهذا المنتدى، أُنشئت في إطاره 17 آلية تعاون في مختلف المجالات. وأظهر انتظام الاجتماع الوزاري بين دورته الأولى في عام 2004 ودورته التاسعة التي عُقدت في عام 2020 عبر دائرة فيديو بسبب جائحة كورونا، حرصَ الدول العربية والصين على استمرار التعاون وتطويره.
ويَدخل هذا التعاونُ الآن مرحلةً جديدةً أُرسيت معالمُها الأساسية في القمة التي جمعت الرئيس الصيني والقادة العرب في الرياض، بعيد قمتين مهمتين خليجية صينية، وسعودية صينية. ويأتي الانتقال في هذا التعاون من المستوى الوزاري إلى مستوى القمة تعبيراً عن أن الوقت حان لتدشين مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسعَ في ظروف دولية مختلفة عن تلك التي أنشئ منتدى التعاون في ظلها قبل 18 عاماً من الآن.
لقد جرت في نهر العلاقات الدولية، كما في مجرى العلاقات العربية الصينية، مياه كثيرة على نحو يفرض إحداث نقلة نوعية في تعاونٍ أثبت فاعليةً، وأُنجز الكثيرُ في ظله. وإذا أخذنا العلاقات التجارية مثالاً، نجد أن حجم التبادل بين الدول العربية والصين تضاعف أكثر من 9 مرات، إذ قفز من حوالي 34 مليار دولار في عام 2004 إلى نحو 330 ملياراً في عام 2021، وذلك وفقاً لبيانات إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية. وتمّثل التجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي نحو نصف إجمالي هذا التبادل العربي الصيني.
لكن العلاقات العربية الصينية لم تعد محصورةً في التجارة وغيرها من المجالات الاقتصادية، فقد أدت التغيرات في أنماط العلاقات الدولية خلال السنوات الأخيرة إلى إعطاء اهتمام أكبر للتعاون الاستراتيجي، إلى جانب تعزيز العلاقات في كثير من المجالات الأخرى. وجاء اتجاه الدول العربية أخيراً إلى وضع العلاقات مع الولايات المتحدة في حجمها الطبيعي بعد أن تجاوزته لفترة طويلة، وتحقيق مزيد من التوازن في سياساتها الخارجية، متزامناً مع حاجة الصين إلى إعادة التموضع بعد أن اقترب حجم اقتصادها من معادلة الاقتصاد الأميركي، وقد قطعت شوطاً طويلاً في مشروعها الكبير «الحزام والطريق»، في الوقت الذي يشتد فيه التنافس الدولي ويبلغ مستوى غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة.
وتسعى الصين، في هذا السياق، إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية عموماً، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، بسبب الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج التي تقع عندها ثلاثة ممرات بحرية بالغة الأهمية، هي هرمز والمندب والسويس، ويوجد بها الاحتياطي النفطي الأكبر في العالم، فضلاً عن أنها تقع على تقاطع مشروع «الحزام والطريق» الصيني مع مشروع «الإندو-باسيفيك» الأميركي.
وهكذا يرتبط انتقال العلاقات العربية الصينية إلى مرحلة جديدة بتعزيز حضور العرب على مسرح التحولات الجيوسياسية في عالم اليوم، على نحو يؤكد صواب خيار التوازن في علاقاتهم الدولية. 


*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية