بعد أشهر من المفاوضات الشاقة بوساطة أميركية، وقع الطرفان اللبناني والإسرائيلي اتفاقَ ترسيم حدودهما البحرية، والذي حسم المناطق «الاقتصادية الخاصة» بكل منهما في البحر الأبيض المتوسط، ما أتاح لإسرائيل البدءَ باستخراج الغاز من حقل كاريش الذي كان يقع في منطقة متنازع عليها، وأعطى للبنان أملاً في الخروج من أزمته الاقتصادية.
لم يكن لـ «حزب الله» بُدٌ من الموافقة على الاتفاق مع إسرائيل، والذي نص على أن تكون منطقة «كريش» لإسرائيل. ووجد الحزبُ في الاتفاق البحري مع إسرائيل مخرجاً يتدثر به، بعد أن تسبب في إيصال لبنان إلى حالة مزرية أصبح فيها عاجزاً عن اختيار رئيس للجمهورية بعد محاولات عدة.
لا مجال لإنكار الحقيقة الواضحة، وهي أن لبنان يحتله «حزب الله»، وبالنتيجة فالبلد لا يقوى على توقيع اتفاق مع إسرائيل إلا بموافقة «حسن نصرالله»، وهذا يحتاج موافقةً من أسياده الخارجيين. لكن الاتفاق يترتب عليه اعترافُ لبنان بدولة إسرائيل، وبالمآل مستقبلاً اعتراف الممانعين الإقليميين!
سياسياً، يفسر كلُ طرف الاتفاقَ من وجهة نظره، معلناً أنه المنتَصرَ في الأخير، فرئيس الوزراء الإسرائيلي «يائير لابيد» تحدّث عن انتصار دولته «على الصعيد الأمني والاقتصادي والدبلوماسي والطاقوي»، قائلاً: «ليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل، في اتفاق مكتوب».
ومن جانبه، أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» أن الاتفاق «انتصار كبير للبنان وشعبه وللمقاومة»، في حين نفى ميشال عون أن يكون للاتفاق أي أبعاد سياسية.
انتهت مهمة «حزب الله» في ملف ترسيم الحدود البحرية، بحسب ما أعلن «نصرالله»، مؤكداً «انتهاء كل التدابير الخاصة التي أعلنها الحزب بشأن حقل كاريش، وذلك بعد استكمال الوثائق المتعلقة بالملف»، زاعماً أن الحديث عن التطبيع مع إسرائيل بعد اتفاق الترسيم ليس له أساس!
لكن وفق رأي العميد المتقاعد «يعرب صخر»، في حديث لموقع «الحرة»، فإن اتفاق الحدود البحرية هو كذلك اتفاق سياسي نتج عن صفقة إقليمية ودولية برعاية أميركية لإرساء استقرار على الحدود الجنوبية بغية التمكن من استخراج الغاز المؤكد في الساحل الإسرائيلي الآن، ولاحقاً استخراج الغاز في الساحل اللبناني غير المؤكد بالدرجة نفسها، في ظل أزمة الطاقة العالمية وحاجة الغرب، خاصة أوروبا للغاز. ويضيف صخر: «بحجة تجنب (حزب الله) اندلاع حرب مع إسرائيل، وافق على الاتفاق كيفما كان، حيث تستفيد إسرائيلُ وليس مضموناً أن يستفيد لبنان. والحزب بذلك كان يتوخى مصلحةَ حلفائه الخارجيين وجعلهم مقرِّراً غير مباشر بواسطته مع إسرائيل وأميركا، وبذلك أيضاً تلاشت كل ذرائعه وصار بمثابة حرس حدود لإسرائيل، بالتالي موجبات سلاحه انتفت، فليتفضل ويطبق القرار 1559 الذي ينص على تسليم سلاح المليشيات». ووصف صخر الاتفاقَ بـ «الخيانة العظمى للبنان»، كونه «تضمن التنازلَ عن حقوقه التي تشمل الخط 29، أي نصف حقل كاريش، والتي نص عليها الدستور اللبناني في فقرته الثالثة، واتفاقية الهدنة عام 1949 وخط نيوكومب عام 1923»، أي أن الاتفاق يتخلى عن قرابة 2000 كيلومتر مربع من أرض لبنان.
وكما يوضح صخر، فإن الاتفاق يشكل «اعترافاً رسمياً وصريحاً بإسرائيل، وذلك بحسب القانون الدولي الذي ينص على أنه أياً تكن طبيعة وشكل ونوع الاتفاق، أكان برسالة أم بتوقيع وثيقة مَا بين طرفين، فهو يعد اتفاقيةً دوليةً».

*سفير سابق