مداهمات الشرطة كانت الأكبر في تاريخ ألمانيا بعد الحرب. ففي وقت مبكر من صباح الأربعاء الماضي، انتشر نحو ثلاثة آلاف ضابط من مختلف الفروع الاتحادية والإقليمية لإنفاذ القانون في 11 ولاية من أصل 16 ولاية في ألمانيا بالإضافة إلى مواقع في النمسا وإيطاليا، واعتقلوا 25 شخصاً على الأقل - بينهم امرأة روسية - واستجوبوا كثيرين آخرين. وكان بعض المشتبه بهم مدججين بالسلاح، بل تدرب عدد قليل منهم في وحدات العمليات الخاصة بالجيش الألماني. وأحدهم، وهو أرستقراطي مسن معروف باسم هينريش (هنري) الثالث عشر، تم تعيينه بالفعل كزعيم ألمانيا القادم. 
وبهذه الحملة الأمنية، أحبط الألمان خططاً لمحاولة انقلاب كبيرة. وكلمة انقلاب هي ألمانية الأصل انتقلت إلى اللغة الإنجليزية. فقد نجت جمهورية فايمار من عدة محاولات انقلاب حتى استسلمت في عام 1933. ودأبت الولايات المتحدة على الاعتقاد بأنها محصنة ضد مثل هذه الفتنة، حتى اضطرت أيضاً إلى مواجهة هجوم على مبنى الكونجرس في السادس من يناير 2021. هل يمكن أن يحدث هذا حقاً؟ هل ديمقراطياتنا تحت هذا التهديد الوجودي حقاً من المهووسين والمتطرفين والإرهابيين المحليين؟ الإجابة نعم، والخطر حقيقي. والدرس المستفاد من ألمانيا في الأيام القليلة الماضية، وأيضاً من الولايات المتحدة منذ السادس من يناير، هو أن المهووسين أصبحوا أكثر تشدداً وينقلون عدواهم عبر الحدود حاملين نظريات المؤامرة وهلاوس عنيفة. 
وشكلت ثقافة الهامش لجماعة «كيو آنون» في الهذيان المحموم، وفقًا للتقارير المبكرة عن غارة هذا الأسبوع، جزءاً بالتأكيد من الخلفية الذهنية للمشتبه بهم في التدبير للانقلاب. لكن خيالاتها وتصوراتها المختلفة قد التحمت، كعادة كل هراء، مع نوع أقدم نشأ محلياً من التطرف الألماني الذي تمثله حركة تعرف باسم «المواطنون الإمبراطوريون». وعلى خلاف النازيين الجدد، يعتقد هؤلاء «المواطنون الإمبراطوريون» الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف أن جمهورية ألمانيا الاتحادية لا وجود لها بالفعل. ويعتقد البعض أن جمهورية ألمانيا الاتحادية هي شركة ذات مسؤولية محدودة أسسها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ويسيطر عليها اليهود. والبعض الآخر لديه نظريات مختلفة. لكن الجميع ينكرون أي شرعية للجمهورية. 

وبدلاً من ذلك، فهم مقتنعون بأن الرايخ، أو الإمبراطورية الألمانية، لم يتوقف عن الوجود في كل من القانون والروح - داخل حدود عام 1871 أو عام 1937 - وأنه من حقهم تحريره من «الدولة العميقة» للبيروقراطيين المتواطئين. وفي الماضي، كانت هذه الأوهام عادة سبباً للتندر أو الاستغراب وليس القلق. مثل القول إنه عند توقف أحد مواطني الإمبراطورية الألمانية في إشارة سير فإنه سيقدم رخصة قيادة صادرة عن الرايخ، من خلال شبكتهم الخاصة. وحين مثول مثل هذا الشخص أمام القضاء، فإنه سيحتقر بشكل استعراضي سلطة القاضي. وهؤلاء المواطنون الإمبراطوريون سيعلنون ولاءهم لقادتهم الحقيقيين، وهم مجموعة متغيرة من المستشارين والأمراء والملوك الإمبراطوريين. لكن ما تجلى هذا الأسبوع هو أن الحركة مسلحة جيداً، أو كانت كذلك إذا كنت متفائلاً، ومستعدة ومصممة على الاستيلاء على السلطة، ومن المقرر أن يتولى هينريش الثالث عشر زمام الأمور. 

وكان لدى المواطنين الإمبراطوريين خطط لاختطاف وزير الصحة الألماني، المعروف بسياساته الصارمة تجاه كوفيد، والقضاء على قرارات جهازه السري، من بين شخصيات عامة أخرى. وكانوا يعتزمون أيضاً مهاجمة البوندستاج (مقر البرلمان الألماني). وكما هو الحال في كثير من الأحيان في السنوات القليلة الماضية، شعرت بالصدمة مرة أخرى لكنني لم أتفاجأ. هل اعتقدنا حقاً أن انتشار نظريات المؤامرة، وإضعاف الخطاب العام، وتطرف القوى السياسية والاختراق المستمر لمجتمعاتنا بمعلومات مضللة من الكرملين وأجهزة الدعاية الأخرى لن يكون له آثار دائمة على ديمقراطياتنا؟ 
وأعني بضمير الجمع كل واحد منا، من الولايات المتحدة إلى البرازيل والمجر والفلبين وغيرهم. الديمقراطية تتعرض للخطر ليس جيوسياسياً فقط، بل أيضاً محلياً. شيء آخر أظهره الألمان هذا الأسبوع هو أنهم فهموا هذه الحقيقة، وتعلموا الدروس من ماضيهم. فمنذ الحرب العالمية الثانية، قاموا ببناء ما أسموه بالديمقراطية المحصنة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»