في عام 222 هجرية عاش العرب أياماً مخيفة، فقد ظنوا أنّها نهاية العالم. يقول الفيلسوف أبو اسحق الكِندي: «ظهر على يسار القِبلة كوكب ذو مذنّب، رآه الناس أربعين ليلة. وتتحدث الأخبار عن رعب جماعي أصابَ الناس، واعتقدوا أن الكوكب سيسقط على الأرض». كان ذلك في العام الميلادي 837، ولم يكن ما ظهر في السماء سوى مذنّب، أُطلق عليه لاحقاً «مذنب هالي».

ولقد رصد العلماء المسلمون المذنبات، وقبل الإسلام رصد المصريون والصينيون والبابليون بعضاً منها. تأتي المذنبات من أطراف المجموعة الشمسية، وفي القرن السابع عشر، اطلع العالم البريطاني «إدموند هالي» - الذي درس اللغة العربية - على ما سجّله العلماء المسلمون بشأن تاريخ ظهور المذنبات، وأكدّ أنها ليست مذنبات مختلفة، بل إن أبرزها هو مذنب واحد يعود إلى الأرض كل (75) سنة تقريباً، وبناءً على ذلك توقّع عودة المذنب عام 1758، وهو ما حدث بالفعل، فقام أحد علماء فرنسا عام 1759 بإطلاق اسم «مذنب هالي» عليه.

كان أحدث ظهور لمذنب هالي في عام 1986، ومن المتوقع عودته للظهور عام 2061، ولا يزال كتاب هالي «علم فلك المذنبات» من الأعمال الرائدة في هذا الحقل. ولد «إدموند هالي» عام 1656، ودرس في أكسفورد، وفيها أعدّ رسالته للماجستير عن «خريطة النجوم»، ولاحقاً عمل أستاذاً في جامعة كامبريدج. يمكن بلورة المشروع العلمي الكبير لإدموند هالي في ثلاثة محاور.. المحور الأول: هو الدراسة رفيعة المستوى لعلم المذنبات.

والمحور الثاني: هو وضع خريطة النجوم في نصف الكرة الجنوبي، والمحور الثالث: هو دوره التاريخي في صدور كتاب اسحق نيوتن «مبادئ الرياضيات». حسب وثائقي قدمه عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينج.. فإن «هالي» ذهب إلى جزيرة سانت هيلانه جنوب الأطلسي - والتي صارت منفى نابليون بونابرت فيما بعد- وهناك اعتمد على مرصد سانت هيلانه، وأنشأ بدوره محطةً لمناظير وتلسكوبات، ولمّا عاد نشر بحثاً عن (341) نجماً، وفي بحثه وضع فرضيته بشأن انتقال بعض النجوم، وقام بمقارنة خريطته للنجوم، وخريطة بطليموس لها قبل (1800) عام، وحدّد بعض النجوم التي انتقلت في خريطة السماء.

قام هالي برسم خريطة النجوم الجديدة، والتي ساعدت على الملاحة في هذه المنطقة الصعبة، وهو ما أدى إلى اعتباره «بطلاً قومياً» وكان عُمره في تلك الأثناء (22) عاماً! كان لإدموند هالي دوراً تاريخياً في صدور كتاب اسحق نيوتن «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» عام 1687، وكان هالي قد سأل نيوتن عن أسباب عدم انفلات الكواكب، ولماذا تسير في مدارات.. ولمّا كان لدى نيوتن تفسيراً لكنه لم ينشره، أقنعه بنشر الكتاب، وقام بطبعه على نفقته الخاصة.

إن أبرز ما في المشروع العلمي لإدموند هالي هو الإخلاص للعلم، والنشاط الدائم من أجل المعرفة، ولو كان هالي أكثر كسلاً وأقل نشاطاً، لما ذهب إلى سانت هيلانه في أقصى الأرض، ولما ذهب إلى نيوتن للنقاش، ولما قرر أن يلحّ عليه في كتابه، تم نشره على نفقته. لا يكفي أن تكون عبقرياً، يجب أن تكون دؤوباً.. فالعبقرية من دون حركة ليست سوى رومانسية فاشلة.

* كاتب مصري