خلال العام 2022، واجهت دول العالم أحداثًا متزامنة ومتشابكة كان لها عظيم الأثر في ما آلت إليه أمور الاقتصاد العالمي بصورتها الراهنة. ولا ريب أن الحرب الروسية- الأوكرانية، بما مارسته من تأثيرات وما خلفته وراءها من تداعيات اقتصادية، كانت على رأس هذه الأحداث. فموجات التضخم غير المسبوقة، وسلاسل الإمداد العالمية المتأزمة، واحتدام التنافس في سوق الطاقة، وتفاقم أزمة المديونية الدولية، وتقلبات التجارة والاستثمار، وتباطؤ الإنتاج والنمو- هي التجليات الأكثر وضوحًا لهذه الأحداث العالمية المتشابكة.

وكعادته المنتظمة، حاول الإصدار الجديد للتقرير السنوي لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» أن يقدم قراءة عميقة وشاملة ومنضبطة لحصاد الاقتصاد العالمي في عام أزمته 2022.

ولطبيعة ما انطوى عليه هذا التقرير من نتائج وتقديرات، فيمكن الوقوف على ثلاث ملاحظات ذات فوائد استشرافية بالغة الأهمية. أول هذه الملاحظات أن النمو السنوي الذي تحقق في أنشطة التجارة السلعية للعام 2022 كان بنحو 13.8%، وهو يقل كثيرًا بالمقارنة مع معدل ناهز 26.5% في العام 2021. كما أنه رغم وصول معدل نمو تجارة الخدمات إلى نحو 14.6%، فلم تتمكن بعد من الوصول إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا.

ولتفسير ذلك، يمكن الإشارة هنا إلى تباطؤ محفزات التعافي من الجائحة، كنتيجة مباشرة لتباطؤ الطلب العالمي بفعل تزايد الضغوط التضخمية في الأسواق، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. وكانت الملاحظة الثانية أنه رغم زيادة الفائض التجاري للاقتصادات النامية، ولاسيما اقتصادات القارة الأفريقية، فلايزال تنويع الصادرات يمثل التحدي الرئيسي والعقبة الكؤود أمام هذه الاقتصادات، مع تركز هذه المشكلة التنموية في المنطقة الجغرافية لغرب آسيا وشمال أفريقيا.

ومعلوم جيدًا أن غياب التنوع في هيكل الصادرات، ما هو إلا انعكاس شديد الوضوح لغياب التنوع عن الهياكل الإنتاجية المحلية، مع ضعف النفاذ للتكنولوجيا المتقدمة التي تعوزها الأنشطة الإنتاجية المختلفة.

أما الملاحظة الثالثة حول تقرير منظمة «أونكتاد»، وكمحصلة منطقية لمضمون الملاحظتين السابقتين، فهي أن الفجوة قد زادت اتساعًا بين النمو المحقق فعلًا في الاقتصاد العالمي خلال العام 2022، وبين النمو المستهدف في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. وبينما وصل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى نحو 5.7% في العام 2021، مدفوعًا ببرامج التعافي الاقتصادي من الجائحة، فإن جل ما أمكن للاقتصاد العالمي تحقيقه من نمو في ختام العام الحالي 2022 لم يتجاوز معدل 3.3%.

وعمومًا، وما دامت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين دول العالم وأقاليمه تفيد بطريقة مباشرة في تحفيز النمو الاقتصادي العالمي، وفي حال تدفقت هذه الاستثمارات للقطاعات عالية الإنتاجية، وإذا أتت محملة بالتكنولوجيا التي تحتاج إليها الأنشطة الاقتصادية التنموية، فستظل الآمال معقودة على نمو هذه التدفقات خلال العام القادم 2023، لكي يعود الزخم المفقود إلى قوى الإنتاج والتصدير والنمو عبر العالم.


مركز تريندز للبحوث والاستشارات