يبدو خطر نشوب صدام نووي، في حالة توسع الحرب في أوكرانيا، كما لو أنه شبحٌ يلوح في سماء العالَم من بعيد. وتختلف التقديرات الآن، بعد أن دخلت الحربُ شهرَها التاسع، حول ما إذا كان هذا الشبح يقترب أم يبتعد. فهناك من يعتقدون أنه لم يعد بعيداً، ويوجد أيضاً مَن يتوقعون أن تتغلب الحكمة في النهاية كما حدث في أزمة الصواريخ النووية في كوبا قبل ستة عقود.
لكن يجمع بين الاتجاهين أمل كبير في استعادة الاطمئنان إلى أن السلاح النووي لن يتجاوز وظيفتَه الأساسية، وهي الردع المتبادل الذي يجعل استخدامَه غير ممكن، لأنه يُلحق الدمار بمن يبدأ مغامرةَ إطلاقه، وليس بمن يُطلَق ضده فقط، فضلاً عن آخرين كُثُر لا هم مع هذا ولا مع ذاك.
وإذا كان استمرار الحرب الأوكرانية طول هذه المدة، بخلاف معظم التوقعات، يزيد حالةَ القلق من أن تتحول إلى صدام نووي، فإنها ربما تكون في الوقت نفسه سبباً في تعزيز الجهود من أجل تجنب مثل هذا الصدام. العالم، إذن، أمام احتمالين يصعب الجزم بأيهما أقرب في لحظةٍ يسودها عدم يقين على كل صعيد تقريبًا، وليس بشأن خطر السلاح النووي فقط. لكن احتمال التحلي بالحكمة ليس صغيراً في الوقت نفسه، فعندما نتأمل تاريخ العلاقات بين الدول النووية، نلاحظ أن الحكمة تتغلب في النهاية مهما يكن مستوى التوتر. 
وحالة الأزمة الكوبية عام 1962، التي كانت الأخطر طوال هذا التاريخ، دالةٌ على ذلك، فقد حبس العالَمُ أنفاسَه خوفاً من مواجهة نووية أميركية سوفييتية بدت وشيكةً في ذلك الوقت، لكن تغلّبت الحكمةُ، وانتهت الأزمةُ بسلام، وازداد الاهتمامُ بالسعي إلى وقف سباق التسلح النووي، عبر سلسلة من المعاهدات أبعدت شبحَ الدمار الشامل الذي لم يلبث أن اختفى على مدى نحو 60 عاماً. فقبل أن يمضي عامٌ على انتهاء تلك الأزمة، كانت معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية قد وُقِّعت في أغسطس 1963، وخلقت تفاؤلا بتحقيق تقدّم باتجاه تحرير البشر من الخوف من نهاية مرعبة. وهذا ما حدث فعلاً، إذ بات ممكنًا التفاوض من أجل التوافق على منظومة قانونية دولية متكاملة مقبولة من القوتين العظميين في ذلك الوقت، والدول النووية الأخرى. فما أن وُقعت المعاهدة الأولى للحد من الأسلحة الاستراتيجية في موسكو عام 1972، حتى صار البابُ مفتوحاً لبناء تلك المنظومة التي حقّقت توازناً استراتيجياً خلَق شعوراً عاماً بأن العالَمَ آمنٌ مِن السلاح الأكثر قدرةً على إعادته قروناً إلى الوراء، وبات الزر النووي الموجود في دول عدة بعيداً عن أيدي قادتها.
وحدث هذا في زمن قريب جداً، وليس صعباً البناء على ما تحقق خلاله، اعتماداً على ميراث الحكمة في معالجة قضايا التسلح النووي، وما يقترنُ بها من أخطار يعرف الجميع أنها ليست كغيرها بأي حال.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية