انتهى مونديال كأس العالم بفوز الأرجنتين، التي سبق لمنتخب السعودية هزيمتها هزيمة ساحقة خلال المونديال ذاته، وصعدت المغرب إلى المربع نصف النهائي رافعة رؤوس العرب جميعاً، لكن لم تنته أزمة الغذاء في الأرجنتين، ولا في العالم أجمع، وكذلك ليس لدى الأمة العربية أيضاً.
تفاقمت «أزمة الغذاء» التي يمر بها العالم عندما أطل فيروس كورونا عام 2020، كما ذكرنا في مقال سابق، وأظهرت معظم المؤشرات العالمية خطورة انقطاع أو توقف سلاسل التوريد، وأكدت تقارير ومؤشرات منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، مثل تقرير «مؤشر توفر الغذاء» في الدول العربية، والذي يعتمد على مجموعة من القياسات الفرعية المهمة، منها كفاية الإمدادات الغذائية وخطر انقطاع الإمدادات، والقدرة الوطنية على توزيع الأغذية، وأيضاً جهود البحث العلمي لتوسيع الإنتاج الزراعي والغذائي، على أن دولاً عربية كانت تعيش، قبل جائحة كورونا، أزمات اقتصادية خانقة، قبل العام 2020 وأن دولاً مثل اليمن والسودان وسوريا والأردن والمغرب هي الأقل أداء في توفر الغذاء على الصعيد العربي، بينما دول مثل الإمارات ومصر والسعودية وقطر والكويت هي الأفضل في الأداء لمؤشر توفر الغذاء. 
ماذا يمكننا أن نتوقع أنه حدث لأزمة الغذاء بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؟ لا شك أننا ندرك أن الأزمة الغذائية أخذت منعطفاً حاداً وخطيراً، لدرجة صارت تحسب كل دولة من دول العالم مخزونها الإستراتيجي من الغذاء، باليوم والساعة، وتبحث عن الحلول الفورية والمؤقتة والإستراتيجية، كما ظهرت ثورات عديدة حول العالم، سواء لأزمة الطاقة أو لإيجاد الحلول لأزمة الغذاء، ومنها في الوطن العربي، الذي اكتوى أيضاً بدخان الحرب وغلاء الأسعار، وقد تحدثنا سابقاً عن أهمية حماية الأمن الغذائي العربي قبيل قمة الجزائر 2022، وكان إعلان الجزائر لافتاً في التأكيد على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية والغذائية والطاقوية والمائية والبيئية، والمساهمة في حل وإنهاء الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية ويلبي تطلعات شعوبها في العيش الآمن الكريم.
بيان قمة الجزائر، كما لاحظنا، يشدد على تحقيق الأمن الغذائي العربي، والذي يمكن من خلال تبني الجهات المعنية لوضع «استراتيجية الأمن الغذائي العربي» من خلال تنفيذ خطة عربية شاملة للتنمية الزراعية ترتكز على إعداد وتنفيذ خطط وبرامج عربية مشتركة لحصر ومسح وتصنيف ورصد الموارد الطبيعية الزراعية واستصلاح الأراضي في كافة أنحاء الوطن العربي، وتطوير نظم الحيازات الزراعية لكي تكون أكثر فاعلية، وإقامة شبكات متطورة لرصد المياه السطحية والجوفية وتعزيز توفير المعلومات عنها على المستويين القُطري والقومي، والاستغلال المشترك للأراضي والأحواض المائية المشتراة، والتوسع في الري الحديث، والإنتاج المشترك لبعض مستلزمات الإنتاج، والعمل المشترك لمكافحة الملوحة والتلوث. 
يجب أن ترتكز «استراتيجية الأمن الغذائي العربي» أيضاً على دعم الإنتاج الزراعي وتطويره لتحقيق الأمن الغذائي، من خلال تطوير الخطط والسياسات لتيسير حركة عوامل الإنتاج بين الدول العربية وتسهيل وتشجيع انتقال العمالة ورؤوس الأموال العربية، وتحقيق التوازن في تخصيص وتوزيع الاستثمارات الحكومية على القطاعات المختلفة. كما يتطلب تحقيق الأمن الغذائي مواجهة التطورات والتحديات العالمية في مجال اقتصاد السوق وتحرير التجارة من خلال إقامة تكتل اقتصادي عربي لتقوية الموقف التفاوضي العربي مع الدول والتكتلات الاقتصادية الأخرى، والاستفادة من المزايا والاستثناءات التي تتيحها الاتفاقات التجارية الدولية.
لذلك نوصي أن يتم عقد منتدى أو ملتقى دوري عربي خاص بالأمن الغذائي يمكن أن يسمى «المنتدى العربي للأمن الغذائي»، تستضيفه العاصمة أبوظبي في السنة الأولى يناقش كافة تحديات الأمن الغذائي العربي وكذلك لوضع استراتيجية للأمن الغذائي العربي، ولابد أن يناقش المنتدى كافة الأفكار والمبادرات التي يمكنها فعلاً وضع منظومة للأمن الغذائي العربي، تقوم على مشاركة الخبرات والأبحاث والنتائج في كافة المجالات الزراعية والمائية والإنتاجية. كما نوصي بتشكيل اتحاد عربي للأمن الغذائي قد يسمى «اتحاد الأمن الغذائي العربي»، يقوم على تأسيس صندوق تمويل لدعم إنتاج كافة المحاصيل وتسويقها، وغيرها من الأفكار التي تدعم تحقيق الأمن الغذائي العربي أو تظهر في استراتيجياتها.

* لواء ركن طيار متقاعد