مفجع لكل السوريين والعرب أن يصل الوضع الاقتصادي في سوريا إلى حالة يفتقد فيها السوريون في الداخل أدنى متطلبات الحياة، ومن أهمها الكهرباء التي باتت في هذا العصر نسغ الحياة اليومية، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الأساسية وبخاصة الغذائية مع انخفاض متلاحق للقيمة الشرائية لليرة السورية، حيث باتت الهوة شاسعة بين دخل المواطن السوري وبين متطلبات العيش الكريم.
وليس السوريون اللاجئون والمنتشرون منذ أحد عشر عاماً في مخيمات اللجوء على أراضي الدول المجاورة أفضل حالاً من المقيمين في الداخل. إنها مأساة طال زمنها، وبات الاهتمام الدولي بعلاجها فاتراً، بل تراجع مع تسارع التردي، ومع المتغيرات الدولية واختلاف جدول الأولويات عند كثير من الدول المعنية. ومؤخراً باتت الحرب الروسية الأوكرانية محورَ الاهتمام الدولي، مع تداعياتها الاقتصادية والأمنية، ولم تعد روسيا قادرةً على تقديم العون المعتاد للحكومة السورية، كذلك تراجع الدعم الإيراني للحكومة السورية مع استمرار العقوبات والإخفاق في الوصول إلى تجديد للاتفاق النووي.
بعض السياسيين كانوا يطالبون روسيا بالتحول إلى دولة انتداب على سوريا، كي تقوم بالواجبات التي حددتها الأمم المتحدة، وألا يكون دورها عسكرياً فقط، لكن روسيا -كما أرى شخصياً- لم تعد قادرة على تحمل الأعباء المتراكمة، ولم يبق في سوريا ما يغري الروس بالاستمرار. وحتى الدعوة لعودة اللاجئين، وهم بالملايين، باتت تعني تحميلاً لمزيد من العبء على الحكومة السورية، وكذلك الدعوة للبدء بإعادة الإعمار باتت أقل أهمية من إيقاف الانهيار.
أما الدول التي قدَّمت دعماً للحكومة السورية، فربما وجدت أن الخرق قد اتسع على الراقع، وبعض الدول الكبرى تنتظر أن يؤدي هذا التسارع في الانهيار الاقتصادي إلى نهايته، دون الاهتمام بمعاناة الشعب السوري الذي بات يصرخ ويستغيث بحثاً عن متطلبات العيش اليومية.
ولا أظن أحداً في المعارضات السورية يريد انهيار الدولة السورية، ولا يرضيه أن يرى أهلَه في الداخل يتعرضون لهذه الظروف القاسية، ونحن ندرك أن مزيداً من الانهيار الاقتصادي سيؤدي إلى كوارث اجتماعية وإلى فواجع أكبر مما سبق أن حدث. ولئن كان شبح التقسيم يلُوح في الآفاق، لاسيما أن سوريا باتت مناطق نفوذ لبعض الدول، في شمالها وشرقها وغربها، فإن جميع السوريين يرفضون أن يروا بلدهم ممزقاً، خاصة أن مساحتَه أصغر من أن تقبل التقسيم، وحين حاول الانتداب الفرنسي تقسيمها فشلت خطتُه، واستعاد السوريون وحدةَ بلدهم، وكل هذا التناحر الطائفي الراهن مفتعل ولا جذورَ له. إنه ردود أفعال ومشاعر مؤقته، والسوريون حين يلتقون يتسامَوْن سريعاً فوق الانتماءات الضيقة التي نمت في ظروف غير طبيعية، وكما أن المحنة فرقتهم فإنها اليوم تجمعهم، وما من سوري يتابع اليوم معاناة أهله في الدخل والشتات من أجل لقمة العيش إلا ويعتصر قلبَه الحزنُ المفجعُ. وليس سراً أن همّ السوريين في الخارج هو معونة أهلهم في الداخل، وهذا الموقف يذكرني بقول شاعرنا الكبير عمر أبي ريشه: «لمّت الآلامُ منّا شملَنَا، ونمتْ ما بيننا من نسبِ».
إن ما يمكن عمله هو الإصرار العربي والدولي الجاد على تنفيذ القرارات الأممية وبخاصة القرار 2254. فمن المريع أن يبقى هذا القرار حبراً على ورق وقد حاز على الإجماع، وهو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا، ولإنهاء مأساة ملايين السوريين الذين يعيشون حالةَ خوف من المستقبل، لاسيما أن ملايين من أطفالهم محرومون من التعليم ومهددون بالضياع. 

*وزير الثقافة السوري السابق