يبدو أن التحديات التي تنتظر الاقتصاد العالمي وهو على مشارف العام 2023 لا تقل، من حيث درجة التنوع أو عمق التأثير، عما شهده خلال العام المنصرم 2022. فبينما نزلت هذه التحديات بمعدل النمو الاقتصادي لحدود 3.3% وفق أحدث التقديرات الدولية، فإن التوقعات السائدة تشير إلى مزيد من التدهور في قوى النمو الاقتصادي، وخصوصاً في الشهور الأولى من العام القادم.
ويمكن القول، بدرجة عالية من الثقة، إن التضخم سيظل هو القضية الأبرز على جدول أعمال الاقتصاد العالمي في مجمله، وستكون محاصرة الضغوط التضخمية هي السياسة الرئيسية التي ستحظى على فائق الاهتمام من صنّاع القرار في دول العالم ومنظماته الاقتصادية. فبينما وصل التضخم العالمي إلى مداه في العام 2022، فإن تقارير صندوق النقد الدولي تتوقع الارتفاع المستمر في الأسعار العالمية بمعدل يدور حول 6.5% في العام 2023. غير أن المفارقة التي تحدث دائماً أن وطأة التضخم لا تتوزع بالتساوي على مناطق العالم وقاراته، فغالباً ما يكون نصيب الدول الأقل نمواً أعلى في تداعيات التضخم وتبعاته.
ولما كان التضخم والاستقرار المالي وثيقي الصلة ببعضهما، فمن المتوقع أن تستمر حاجة عديد من الاقتصادات النامية في منطقة الشرق الأوسط وقارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية إلى تدفقات تمويلية دولية مُلحِّة، سواء في صورة استثمارات أو في شكل قروض وتسهيلات ائتمانية، أو حتى على هيئة مِنَح وهبات ومساعدات تنموية. فهذه التدفقات كفيلة بدعم الاستقرار المالي وتخفيض مخاطر الانقطاع في سلاسل الإمداد، كما ستلعب دوراً واضحاً في التهدئة السعرية خلال العام القادم 2023. وكيف لا، وثمة جزء رئيسي من ارتفاعات الأسعار الحاصلة حالياً في الاقتصادات المذكورة راجع لاستيرادها التضخم من الأسواق الدولية المصابة بهذا الداء العضال.
وبالانتقال شمالاً إلى منطقة أوروبا، فإن تطورات المديونية الداخلية ستمثل المهدد الرئيسي للاستقرار المالي الهش في اقتصادات هذه المنطقة. ففي غمار الحرب الروسية على أوكرانيا، وفي ضوء التأثير السلبي للتضخم على مستويات معيشة الأسر، فإن التوسع في برامج الدعم الاجتماعي سيفاقم من مشكلات العجز المتوقعة في الموازنات العامة الأوروبية، وتحديداً في منطقة اليورو الشديدة الحساسية لهذا العجز. وعلى الشاطئ الغربي للأطلسي، وفي حال استمرار وضعية الدولار القوي وثبات أسعار الفائدة الأميركية على مستواها الحالي، فإن تفاقم مؤشرات مديونية الاقتصاد الأميركي للعالم ستكون من أبرز التهديدات المحتملة لنموه المتوقع في العام 2023.
ولئن كان النمو الاقتصاد العالمي يتولد معظمه حالياً في أقاليم رئيسية بقارة آسيا، فليس من قبيل المغالاة - إذن - القول إن التراجع الدرامي في النمو الاقتصادي العالمي وفق توقعات صندوق النقد الدولي للعام 2023 لنحو 2.7% لن يتحقق إذا شهدت هذه الأقاليم زخماً إضافياً في محفزات الاستثمار والإنتاج والتصدير. لكن حدوث هذا الزخم مرهون بأحوال الاقتصاد الصيني وبمقومات نموه، ومن ثم، سيكون للتنافس الصيني - الأميركي بصمته الواضحة على النمو الاقتصادي خلال العام القادم.