يُسدل الستار بعد أيام على عام 2022 الأشد سخونةً منذ ستة عقود، ولا تبدو في الأفق نهاية قريبة للحرب الأولى من نوعها في أوروبا منذ ما يقرب من ثمانية عقود. ستستمر حرب أوكرانيا بكل آثارها على العالم في عام 2023، أو لفترةٍ ما فيه. وفي الوقت الذي تستمر المعارك والهجمات بدون هدنة حتى في أعياد الميلاد، يتسارع الإعدادُ للمرحلة التالية في الحرب عقب انتهاء فصل الشتاء. ومثلما تُركت كرة الثلج تتدحرج في أول العام بدون أن يتحرك أحد سعياً إلى وقفها، لا يبدو أن أحداً مستعد للعمل من أجل إنهائها في آخره.
لا نعرف في التاريخ الحديث حرباً كانت مقدماتها واضحة، ومع ذلك لم تسبقها جهود لتجنب اندلاعها، سواء نجحت أو فشلت. حرب أوكرانيا هي الأولى التي لم يُبذل أيُّ جهد لمنع نشوبها حتى عندما صار وقوعها أكيداً وفق تقارير استخباراتية أميركية مُعلنة.
ومع ذلك فعندما نعود إلى تطور الأزمة التي قادت إلى هذه الحرب، نجد أن تجنبها كان ممكناً رغم أن سقف المطالب الروسية كان مرتفعاً. لقد كان في الإمكان تفكيك هذه المطالب التي تضمنت شقين؛ أحدهما متعلق بأوكرانيا وانضمامها إلى حلف «الناتو»، وثانيهما مرتبط بالبنية التحتية لهذا الحلف في أراضي دوله الواقعة في شرق أوروبا.
كان ممكناً، على سبيل المثال، الإيعاز إلى حكومة أوكرانيا بالمبادرة من جانبها إلى سحب طلب الانضمام للحلف بدلاً من رفضه بدون استكمال الإجراءات المنصوص عليها في ميثاقه، لكي لا يضعف هذا الرفض مصداقيتَه؛ فلم تكن هذه الإجراءات قد اكتملت في مطلع 2022، لكن كان واضحاً أن أوكرانيا تفتقر إلى عدد من أهم شروط العضوية. ولهذا ما كان لسحب طلبها أن يُغيَّر شيئاً في واقع تفيد معطياته أن هذا الطلب مآله إلى الرفض أو الإرجاء. ورغم أن تحركاً من هذا النوع لم يكن ليلبي كل مطالب روسيا، فقد كان من شأنه أن يوجَّه إليها رسالةً إيجابيةً، ويُغيِّر الأجواء التي كانت قد اكفهرت، ويُتيح وقتاً للتفاوض من أجل التوصل إلى التزامات متبادلة بشأن حجم القوات ونوع الأسلحة في مناطق التماس شرق أوروبا، بما يتيح إبرامَ اتفاق حول نظام الأمن في القارة. لكن واشنطن، وبالتبعية حلف «الناتو»، لم تفكر في القيام بأي جهد من هذا النوع، أو غيره، لإدارة أزمةٍ كان واضحاً أنها ستقود إلى حرب لا محالة. فقد رُفعت الجهود الدبلوماسية من الخدمة لأسباب ستبقى في بطن التاريخ إلى حين.
وهكذا ظلت الأزمة تتفاقم في الأسابيع الثلاثة الأولى من فبراير 2022 في غياب أية محاولة لوقف صعود سريع إلى هاوية حرب كان معلوماً أنها قد لا تبقى محصورةً في أوكرانيا. فأخذت نذُر تلك الحرب في التصاعد، إلى أن صار اندلاعها أكيداً قبل أسبوع من شنها، بدون أي تحرك لوقفها، على نحوٍ لا مثيل له في تاريخ الحروب الحديثة.