لمنطقة الشرق الأوسط أهمية استراتيجية وسياسية كبرى، فقد كانت مسرحاً لأحداث كبيرة منذ بداية نشوء الحضارات وحتى يومنا هذا، حيث أصبحت مركزاً للتحولات والتفاعلات بين القوى العظمى ومحطةً هامةً لتشكيل التحالفات ورسم خرائط النفوذ وتسوية الصراعات أو تأجيجها، في الوقت الذي تتلاطم فيه أمواجُ السياسة العالمية بين انقسامات ومعسكرات وتحالفات وأحداث وصراعات من شأنها إعادة رسم خريطة جديدة للقوى والتوازنات، سواء على مستوى الشرق الأوسط، أم على مسرح السياسة العالمية ككل. ولعل أهمية المنطقة العربية تحديداً كانت دافعاً قوياً لدولة كبرى مثل الصين من أجل تعزيز التقارب مع دول المنطقة وتفعيل التحالفات العربية الصينية ونقلها من مرحلة النمو إلى مرحلة الرسوخ وتوسع مجالات التعاون وتبادل المصالح.
لم تكن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى منطقة الخليج خلال يومي السابع والتاسع من شهر ديسمبر الجاري زيارةً اعتياديةً ذات بروتوكولات روتينية لتعزيز العلاقات وترسيخها فحسب، بل كانت زيارة مهمة جداً وذات أبعاد سياسية واقتصادية عميقة تؤسس لمرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة، حيث تضمنت ثلاث قمم في غاية الأهمية (سعودية صينية، وخليجية صينية، وعربية صينية)، وذلك في ظرف جيوسياسي حساس ووسط متغيرات دولية وإقليمية مهمة ينتظر أن تؤسس لبداية جديدة من الشراكات الاستراتيجية على كافة الأصعدة. فالرؤى السياسية بين الجانبين العربي والصيني متقاربة من الرغبة في الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب خال من هيمنة نظام القطب الأوحد الذي كان سائداً منذ انتهاء الحرب الباردة، والذي كان سبباً في العديد من الصراعات والتحولات الجيوسياسية التي انعكست سلباً على منطقة الشرق الأوسط، وأهمها حرب العراق ومآلاتها المؤسفة خلال السنوات الماضية، وأحداث ما سمي «الربيع العربي» واضطراباته الدامية التي انتهت بكوارث لاتزال المنطقة تداوي جراحها، بسبب عبثيات ذات بواعث سياسية بعيدة كل البعد عن الإنسانية وعن مصالح الدول ورفاه شعوبها!
الصين حليف قوي يؤمن إيماناً تاماً بمبدأ تبادل المصالح وباحترام الشركاء والحلفاء، وهي تطرح خطاباً يرتكز على القيم المشتركة والتاريخ العريق، كما جاء في مقال للرئيس الصيني نشر في صحيفة «الرياض» السعودية، حيث أشار إلى «الصداقة الصينية العربية التي تجاوز عمرها آلاف السنين» وإلى «العمل المشترك لخلق مستقبل أفضل». وهذا خطاب يحترم الحلفاء ويؤسس لشراكة قوية وفق مبادئ راسخة تنسج جسوراً لتَواصلٍ طويل الأمد، أي أنه خطاب يستقيم مع المبادئ والقيم العربية ويلتقي معها في عدة مواقع ويتناقض مع الخطاب الغربي القائم أحياناً على الابتزاز السياسي والرسائل المبطنة والالتفاف حول المصالح وانتهاك سيادة الدول وقيم شعوبها تحت شعارات مختلفة. 
لا تقتصر العلاقات العربية الصينية على مجالات الطاقة والتبادل التجاري والاقتصادي المتين فقط، بل هناك دعم صيني لتوسيع التعاون في مجالات الطيران والمطارات والسكك الحديدية، فضلاً عن التعاون في المجال العسكري وفي دعم الصناعات العسكرية. 

وهذا التنامي في التعاون بمجالاته المتعددة هو مؤشر لتنامي الدور العربي على الساحة الدولية، وخاصة الدور الخليجي الذي قطع شوطاً كبيراً في تموضعه عالمياً، على المستويات السياسية والاقتصادية. 

وتنبغي الإشارة أخيراً إلى أن الصين تؤمن بفكرة السلام وتعزيز الأمن من خلال الحوار مقابل الاعتراف بـ«الصين الواحدة»، وهذا موقف عربي لا لبس فيه. 

*كاتبة سعودية