تتوالى المبادرات والمواقف الدولية التي تسعى لإقرار السلام وإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، المستمرة منذ عشرة أشهر، والتي طالت تداعياتها أغلب بلدان العالم بلا مبالغة. كما أن الأمر لم يتوقف فقط على المبادرات الخارجية حيث دعا وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، إلى عقد «قمة سلام» في الأمم المتحدة بنهاية شهر فبراير المقبل، وطلب من أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة العمل كوسيط في المفاوضات، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن روسيا لن تُدعى إلى القمة إلا بعد خضوعها لمحكمة دولية وامتثالها لقراراتها.

وقد حمل التعليق المتأخر للكرملين على خطة السلام التي طرحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي قبل نحو شهرين بادرة نحو الاستعداد الروسي للجلوس لحل الأزمة في أقرب وقت. كما عبّر الرئيس الروسي قبل أيام عن استعداده للتفاوض من أجل السلام وإنهاء الحرب.

وأوجز الرئيس الأوكراني خطته للسلام المكونة من عشر نقاط خلال خطاب افتراضي لقادة العالم بقمة مجموعة العشرين، وأثناء زيارته الأخيرة لواشنطن في: السلامة الإشعاعية والنووية، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والإفراج عن كل السجناء والمُبعدين، وسحب القوات الروسية، وتحقيق العدالة، وإعادة وحدة الأراضي الأوكرانية، وهو أمر وصفه زيلينسكي بأنه «غير قابل للتفاوض»، ما يعني تخلي روسيا عن المناطق الأربع التي أعلنت ضمها إلى جانب شبه جزيرة القرم.

وفي الواقع، فإن تسوية الأزمة وآفاق السلام بين روسيا وأوكرانيا يتوقف على عدد من العوامل المحورية، والتي من بينها وضع كلٍّ من الجيشين الروسي والأوكراني على الأرض، وخاصة مع دخول فصل الشتاء والعمل على إعادة التخندق من أجل الاستعداد لشن هجوم في فصل الربيع.

ويضاف إلى ذلك مدى تماسك الجبهة الداخلية في روسيا ومدى قدرتها على الاستمرار في دفع فاتورة هذه الحرب، وأيضًا الموقف الدولي، والغربي منه تحديدًا، الداعم بقوة لأوكرانيا، في ظل تصاعد الرغبة السياسية لدى الولايات المتحدة نحو ضرورة تعظيم خيارات السلام، لأن مواصلة الدعم لن تثني روسيا عن مواصلة الحرب طالما لم تحقق النتائج المرجوة منها.

إن كل المؤشرات تؤكد استمرار الأزمة، وربما يكون الأمر الوحيد المتوقع هو حدوث هدنة قصيرة غير مستقرة، حيث أكد بوتين أنه لن يتوقف إلا بعد تحقيق العملية العسكرية أهدافها. في حين تؤكد أوكرانيا أنها تقاتل من أجل بقائها. أما خيار انتصار أوكرانيا، واستعادة أراضيها، فهو خيار صعب التحقق في المدى القريب، ويتطلب المزيد من المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية. وتبقى احتمالات التفاوض ضئيلة، لأن التوصل إلى اتفاق سلام يتطلب تغييرًا في مطالب جانب واحد، على الأقل. ولا يوجد دليل على حدوث هذا التغيير حتى الآن.

وبناء عليه، فإن الأمر يتطلب مزيدًا من بذل الجهود من قبل الفاعلين الدوليين للبناء على المبادرات المطروحة من أجل الوصول إلى تسوية سلمية نهائية مقبولة من كل أطراف الأزمة. وختامًا، تبقى الطرق الدبلوماسية والمفاوضات هي الخيار الأكثر عقلانية وواقعية لتسوية الأزمة الأوكرانية. لذلك على المجتمع الدولي المساعدة في تخفيف التوتر والتصرف بعقلانية، من أجل الوصول إلى إقرار وبناء السلام بين طرفي الأزمة.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات