مطلع العام 2023 مليء بالأمل والتفاؤل والإنجازات، وبخاصة في دول الخليج المتوثبة للمستقبل وصناعة التاريخ من جديد محلياً وإقليمياً ودولياً، والنجاحات تتحدث عن نفسها، لا بالإحصائيات والأرقام التي لا تكذب فحسب، بل بالرؤى والتطلعات والأفكار والمشاريع.

في السياسة لا يلهي شأنٌ عن شأنٍ، والواقعية السياسية تحتم على الدول رؤية المشاهد كاملة، بحسنها وقبيحها، بالإنجازات والنجاحات كما بالمخاطر والتحديات، وصراعات البشر لا تتوقف لفرحٍ أو ترحٍ، وإنما هي إحدى سنن الكون وطبيعة البشر ومنطق التاريخ. تفجيران سقط فيهما قتلى وجرحى، أحدهما في العاصمة الأفغانية كابول بقرب المطار العسكري، والآخر في الإسماعيلية بمصر في هجومٍ استهدف الأمن المصري تبناه تنظيم «داعش» الإرهابي.

ما يقوله التفجيران هو أن الإرهاب للأسف لم ينته، فضلاً عن «الأصولية» و«الصحوة» و«حركات الإسلام السياسي» التي هي أم الإرهاب وأبوه، منبعه وغايته، منطلقه ونهايته. استنكرت الإمارات والسعودية والبرلمان العربي والعديد من الدول والمؤسسات الهجوم على قوات الأمن المصرية وكان الرفض حاسماً وقاطعاً في التصريحات الرسمية والمواقف الصريحة، ويؤكد الجميع أن هذا الإرهاب لن يعيق خطط التنمية والتطوير وبناء المستقبل. هذه هي المعادلة، أولوية التنمية والتقدم والرقي مع عدم إغفال التحديات التي تعيقها، وعلى رأسها «الإرهاب» و«الأصولية»، وهي معادلة ستنهض بدول المنطقة وتكرس نجاحاتها، فلا توقف عن التنمية والتطوير والخطط المستقبلية الطموحة، ولا تقليل من التحديات والمخاطر بغض النظر عن أهداف هذا التقليل، بل مواجهة حازمة ومواقف حاسمة.

تبدو بعض المعادلات سهلة حين قراءتها، ولكن بناءها والرهان عليها والدخول في كافة تفاصيلها وتوازناتها، والعمل على مراجعتها باستمرارية وتطويرها بإصرارٍ هي التي تحكم على مآلاتها ونجاحاتها.

مصائر الأمم والشعوب تحكمها رؤى القادة وسياسات الدول وتطبيق الحكومات، وكم يحدثنا التاريخ عن نماذج لنهوض وسقوط الدول والحضارات والمجتمعات، كانت تؤثر فيها هذه العوامل أبلغ التأثير في حالتي النهوض والسقوط، في التقدم والتقهقر الحضاري. رؤى التقدم وخطط الرقي قائمة على قدمٍ وساقٍ في العديد من دول المنطقة، ومن أهمها الإمارات والسعودية ومصر، وتقابلها رؤى التخلف وخطط تبنّي الإرهاب ونشر الفوضى، وهو ما تحصده الشعوب من قياداتها ودولها وحكوماتها، والنجاحات في بناء النماذج المبهرة هي تقريعٌ حضاريٌ غير مباشرٍ لمن اختاروا التقهقر إلى مفاهيم التخلف والهويات القاتلة.

لقد ساعد تصنيف «جماعات الإسلام السياسي» إرهابيةً في الدول الثلاث على الحدّ من شرورها وتقليم أظافرها عن التخطيط والتنفيذ للأعمال الإرهابية، وعن التنظير لها فكرياً والتبرير لجرائمها دينياً، وهو ما رأى الناس آثاره المباشرة في الانخفاض الواضح للأعمال الإرهابية، ولكن هذه النجاحات يسعى البعض لاستخدامها لإيقاف تصنيف «الأصولية» إرهاباً، وهذا خطرٌ حقيقيٌ يهدد باستعادتها لشيء من مكانتها والتقاط أنفاسها لمعاودة الكرة هجوماً على الأفراد والمجتمعات والدول والحكومات، والعهد قريبٌ والتنظيمات متماسكة والتنظيرات متوافرة للجميع.

على طول التاريخ وعرض الجغرافيا كانت مكانة الدول والامبراطوريات تشهد صعوداً وهبوطاً، تراوحاً بين القوة والضعف، ويعيش العالم اليوم واحدةً من تلك اللحظات التاريخية، فقوة الغرب الضاربة في كافة المجالات بدأت تشهد تضعضعاً ما، ويقابلها صعودٌ لبعض الدول الشرقية ومن أهمها الصين والهند.

في الشرق الأوسط وبرؤى القادة وسياسات الدول تتفق غالب التحليلات على صعودٍ قويٍ ومدوٍ لقوة هذه الدول في المنطقة وتزايد تأثيرها المتوالي والمستمر على الصعيدين الإقليمي والدولي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، مع إصرارٍ وتخطيطٍ مستمرين لوضع هذه المنطقة على قائمة أكثر الدول تأثيراً في المستقبل القريب. أخيراً، فمع النجاحات والآمال لا تتوقف التحديدات التي توجب الانتباه، وكل عامٍ وأنتم بخيرٍ.

*كاتب سعودي