مع نهاية كل عام تتهيأ للبعض فرص لمراجعة ذواتهم والتقاط أنفاسهم ليبدأوا رحلة جديدة مع بداية العام الجديدة، فيصحّحوا ما كانوا قد تعثروا به، ويقوّموا ما يجب عليهم تقويمه. وهذا الأمر ينطبق على المؤسسات كذلك، فبما ينسجم مع أهدافها الاستراتيجية تقوم بمراجعة أعمالها المنجزة وتحديد التحديات التي واجهتها والاعتراف بالإخفاقات التي تعرضت لها، وليس في اتباع تلك السياسة أي عيب، بل العيب يكمن بعدم الاعتراف بالأخطاء.
كثيرون من الناس لا يعيرون اهتماماً ولا انتباهاً للتخطيط، معتبرين تلك المسألة تدخلاً في شؤون الخالق، مع العلم أن خالقنا أمر الإنسان عموماً بالتعقّل والتوكّل، وبالتفكّر والتدبّر في أمور حياته، وبمراجعة نفسه دوماً، فإن انحرفت تلك النفس عن النهج السليم قوّمها، وإن أساء الظن بذاته وبغيره وفعل ما لم يكن عليه فعله، فلا بد أن يكون حكيماً كي يعود إلى رشده.
صحيح أن لكل إنسان رؤيته وفلسفته في الحياة، لكن البشر مختلفون بطبائعهم وسلوكياتهم، فلا إرادتهم واحدة، ولا عزائمهم متشابهة، ولا قدراتهم على سوية واحدة، ولهذا نجد أن من البشر من هم متكاسلون، حتى لنظن أنهم غير مبالين بواقعهم ولا بمن يحيطون بهم، وهكذا تتسرب الأيام من حيواتهم ولا يستفيقون إلا عندما يفوت الوقت والعمر.
أكتب هذا وأنا أذكّر نفسي بأن عليّ نقد ذاتي باستمرار كي لا أقع في شرك المحظور أو حتى الشعور بالعظمة فأمتلئ كِبراً وغروراً، وأعتقد أن حتى هذا السلوك – أي نقد الذات – نتعلمه كما نتعلم أي شيء آخر في حياتنا، لهذا أحرص على ممارسته بقدر ما أستطيع، لأدخل إلى عام جديد أو مرحلة جديدة بروح إيجابية وذهنية منفتحة، ساعياً إلى تغيير ما يجب عليّ تغييره في شخصي من طبائع قد تكون يوماً ما عادية لكنها في وقت لاحقاً تصبح سلبية، وإلى الحفاظ على صحتي الروحية حالها كحال صحتي الجسدية، وإلى تحديد نقاط ضعفي وقوتي كي أكون قادراً على عيش الأيام القادمة بأقل خسائر ممكنة.
أسطري تلك لا تدخل بأي حال من الأحوال في باب غاية التدخّل في شؤون الآخرين، ولا الوصاية على حيواتهم، ولا حتى لتوجيه النصيحة لهم، لكني أكتبها من باب عرض الحال، فإن صلُحتْ النفس صلُح السلوك. من هنا أستطيع أن أذكّر نفسي دوماً بأن الحياة مهماً عشت فيها واختبرتها، إلا أنها دوماً قادرة على اختباري، كما تقتضي إرادة الخالق سواء في دقائق الأمور وعظيمها.
تنقضي الأيام والشهور وأتعلم من تجاربي لا من تجارب سواي حتى وإن اطلعت عليه، حالي في ذلك حال البشر في أغلبيتهم. صحيح أنني لا أبكي على اللبن المسكوب، ولا أركن لليأس، ولا أتحسّر على ضياع الفرص، إلا أنّي أعاتب نفسي وأحاسبها إذا لم أنجز أهدافي، وأحاول البدء من جديد كي لا أجدني في ذات المكان مرة أخرى، أو أراني متراجعاً إلى درك لا أريده ولا أحب أن أكون فيه.
عشت حياتي وأعيش ما تيسّر لي منها وأنا أحرص على مخالطة أصحاب الحكمة الإيجابيين الذين كنت وما أزال أعمل على تعلّم مليح الأمور والتصرفات منهم، عارفاً حجم قدراتي وإمكاناتي والتي تيسّر لي معرفة أقصر الطرق وأسلم الطرائق لاتباعها، وذلك كي لا يفوتني أوان فعل ما كان عليّ فعله، أو ما يجب عليّ فعله في أيامي القادمة.