بعد أن أقرّ مجلس النواب الأميركي الأسبوع الماضي مشروع قانون تمويل حكومي بقيمة 1.66 تريليون دولار للسنة المالية 2023، وتم تخصيص 44.9 مليار دولار كحزمة مساعدات إضافية لأوكرانيا، قاربت على أثر ذلك حزم المساعدات الأميركية إلى 100 مليار دولار، وذلك بخلاف المساعدات الأخرى غير المعلن عنها وهي حتماً بمليارات الدولارات، مما يثير تساؤلات الداخل الأميركي عن حجم هذه المساعدات التي منحتها الحكومة الأميركية من أموال دافعي الضرائب إلى أوكرانيا، والذي يعدّ أكثر مما منحته لـ 40 ولاية أميركية في سنة 2022، مما يثر حفيظة الشارع الأميركي وخاصة الطبقة الوسطى، لاسيما وأن لديهم الوعي الكافي بمعرفة أهمية الصراع القائم لدعم صناعة التسليح الأميركي واللوبي الأقوى وهو لوبي التسليح والصناعة العسكرية، وهم يسمعون بين الحين والآخر منح وزارة الدفاع الأميركية المزيد من العقود العسكرية لشركات تصنيع الأسلحة الأميركية لتوفير حزم المساعدات التي تقدم لأوكرانيا.
ومن جهته يتساءل الشارع الأميركي عن حجم تأثير تلك المساعدات على دعم مشاريع الداخل الأميركي وعلى مسار سير الحرب الروسية الأوكرانية؟ وخاصةً وهم يعيشون تبعات الكوارث الطبيعية التي تتوالى على بلادهم وتعصف بمدخراتهم، وقدرتهم على الحفاظ على أسلوب الحياة التي اعتادوا عليها، في حين أن تبعات تلك الحرب أوقعت خسائر كارثية بالاقتصاد العالمي وخاصةً الأوروبي، مما قد يغير المسار التاريخي لحلف «الناتو»، ومعضلة أن خسارة الروس في هذا الصراع هو خسارة حتماً للصين وانهيار لحلم نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما لن تقبل الصين بحدوثه تحت كل المسميات والظروف.
وإلى أي مدى من الممكن أن تذهب أوروبا في مساندتها للجانب الأوكراني؟ وهي تعلم أنها تواجه غلياناً شعبياً جعل سكانها يدركون أن حكوماتهم لا تضعهم كأولوية! فيما تشير موسكو بدورها إلى أن تسليم الأسلحة بكميات كبيرة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لن يؤدي إلّا إلى إطالة أمد الحرب، والتلويح بورقة المعاناة الاقتصادية والمعيشية التي ستعصف بالشعوب الأوروبية بسبب سياسات حكوماتها، كما تتهم موسكو الولايات المتحدة بخوض حرب بالوكالة مع روسيا.
وتصّر موسكو على أن المعونات الأميركية العسكرية لن تمنع روسيا من تحقيق أهدافها العسكرية، كما اعترف المسؤولون الأميركيون من جانبهم بأن أسلحة يعتقد أنها مصيرية في تغيير دفة الحرب كبطارية باتريوت على سبيل المثال لن تغير مسار الحرب، مع تصاعد وتيرة الدعوات من الجانب الروسي للجلوس على طاولة المفاوضات لحل جميع النزاعات بين الطرفين المتصارعين، وهي تعلم تماماً محورية الدور الذي سيلعبه فصل الشتاء في سير النزاع، كما أن موسكو تعلم أن الإبقاء على دعم الكونجرس الأميركي للمساعدات العسكرية سيصبح أكثر تعقيداً عندما يحصل «الجمهوريون» على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب بحلول العام الجديد.
ومن جهة أخرى، تظهر الاستطلاعات أن الأميركيين أصبحوا أكثر تشككاً في المساعدة العسكرية لأوكرانيا، وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال» مؤخراً أن 48% من «الجمهوريين» يقولون إن الولايات المتحدة تمضي أبعد مما ينبغي في التدخل في الصراع الروسي - الأوكراني، وبينما يعارض بعض «الجمهوريين» المساعدات العسكرية، دعا مشرّعون آخرون إلى تشديد الرقابة على المساعدات المالية التي يتم تقديمها، وخاصةً أن أميركا ستنفق خمسة أضعاف ما تنفقه بقية دول العالم مجتمعة لمساعدة أوكرانيا.
ناهيك عن وجود نواب في مجلس النواب معارضين لمطالب الرئيس الأوكراني «زيلينسكي»، ومن المتوقع أن يزداد التدقيق في الدعم الأميركي لأوكرانيا على نطاق واسع عندما يسيطر «الجمهوريون» على مجلس النواب في الشهر الحالي، حيث إنه لم يحضر بعض المشرّعين خطاب «زيلينسكي» أمام الكونجرس، وحضر آخرون ولكنهم امتنعوا عن الانضمام لزملائهم في التصفيق خلال خطاب الرئيس الأوكراني، وهو مؤشر لما يدور داخل البيت الأميركي لصنع القرار، بينما تتابع روسيا تلك الأحداث عن كثب، وستضع بصمتها عليها لاتخاذ خطواتها القادمة على جميع الأصعدة.
* كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات