جملةٌ من السجالات أعقبت صورةً فوتوغرافيةً للاعب محمد صلاح، نجم الكرة المصري المحترف في نادي ليفربول البريطاني، أطلّ بها في ليلة رأس السنة «الكريسماس» مع عائلته في مظهر يتواءم والمناسبة، إذ ظهرت في الخلفية شجرةُ الكريسماس المضيئة وبعض مظاهر الاحتفال العائلي البسيط.

وفي تقديري أنها لفتةُ تَسامح جميلة للاعب مسلم بهذا الصيت من العالمية ويعيش في مجتمع مسيحي محاطاً بكل الحب والاحترام. لكن هذه الصورة أضحت بعد عشية الميلاد حديثَ السوشيال ميديا ووسائل الإعلام بعد أن تجاوزت مشاهداتُها 80 مليون مشاهدة بين مؤيد وحانق، مهاجم ومدافع.. وكأن صورةً متسامحةً ومعبِّرةً، مثل هذه، أصبحت ملعباً كروياً يتقاذف الناسُ فيه الآراءَ والتصنيفات.

الصورة الآنف ذكرها لنجم الكرة العالمي محمد صلاح، لم تكن البداية أو الشرارة الأولى للجدل حول حُكم تهنئة غير المسلمين في أعيادهم، ولم تكن بالأمر الجديد في ميدان السجالات البيزنطية الرامية لرفض الآخر وتأجيج الصراعات والانقسامات بين مؤيدي التسامح والمتزمتين الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين للإسلام الذي جاء سمحاً في جوهره ومصداقاً لسلوك نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم تجاه مخالفيه.. فالأمر ببساطة هو تعنت وتزمت حول أمور بديهية لن تزعزع قدسيةَ الدين الإسلامي ولن تزحزح عقيدةَ المسلم قيد أنمله. والأمر ذاته ينطبق على الترحم على الأموات من معتنقي الديانات الأخرى، فالبعض يخلق ضجيجاً عالياً لمجرد ترحم مسلم على عالم مسيحي أنقذ البشرية بترياق أو مخترع من ديانة أخرى ذلل مشكلة في حياتنا باختراعاته أو أضاف بحوثاً ودراسات مفيدة في أي مجال كان.. بينما آخرون في جزء آخر من العالَم يتصارعون حول شجرة هل هي حلال أم حرام؟

وهل التزين بها والجلوس تحتها يُخرج من الملة أم لا؟ وما الحكم بشأن وردة حمراء تستحضر اسم قديس ينشر الحب والوئام والرومانسية في قلوب الناس؟ والمفارقة أنهم يحرِّمون الترحم على مخترع في الوقت الذي يستخدمون اختراعاتِه ولا يستغنون عنها لتسيير حياتهم! في كل عام يتكرر السيناريو ذاته، ومع كل روح تفنى في سبيل العلم يعاد المشهد في دوائر مفرغة لا تؤدي إلى نتيجة سوى تأجيج الفتن ومزيد من البغضاء والكراهية وتقديم صور مسيئة للإسلام والمسلمين.

لكن المحزن أكثر هو أن المسيحيين في معظم البلاد العربية تُوجَّه سهامُ الإهانات نحوهم ونحو مَن يهنئهم، بل والأمر من ذلك هو تكفير من يقوم بذلك من المسلمين واتهامه في عقيدته، حتى أن أحدهم قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل، بدلاً من أن يدخلوا في دين الله أفواجاً يخرجون منه أفواجاً»، في إشارة إلى محمد صلاح! والسؤالُ الذي يطرح نفسَه الآن هو: كيف يصبُّون جام حنقهم بسبب تهنئة المسيحيين ونعتهم بالكفار، وعند أي طارئ يهرعون نحو بلادهم طلباً للحماية والعدل والحقوق والمعونات؟!

هنا يحضر في ذهني ضجيج ذلك الداعية المكفِّر للغرب والرافض لتواجد الغربيين خلال حرب الخليج عام 1990، وابنه اليوم يتعلم في جامعاتهم ويعيش مكرَّماً بينهم! تحرص حكومات دول الخليج على تعزيز السلام ونشر الوئام بين شعوب المنطقة وشعوب العالَم على اختلاف دياناتها ومشاربها العقدية، وتبذل في سبيل ذلك جهوداً كبرى لتقريب وجهات النظر ونبذ الكراهية والشقاق ونشر احترام الأديان، بالمشاركة في المناسبات العالمية لتكريس التسامح، علاوة على المنتديات الكبرى للحوار بين الأديان والعمل على إرساء المشتركات الإنسانية بين الشعوب ومحاربة التشدد وما يفضي إليه من كراهية واحتراب. وكل عام والجميع بخير.

*كاتبة سعودية