لقد دخلنا عاماً جديداً هو 2023 وما يزال العالَم يمر بتحديات ومصاعب واضطرابات وأزمات وتقلبات، ربما لم يشهدها منذ عقود، بما في ذلك الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات والأوبئة العابرة للحدود. وفي نفس الوقت هناك تحديات لم تجد لها حلولاً حتى الآن، مثل تغير المناخ وأزمة الطاقة، وكذلك أزمة الغذاء والأوبئة المتلاحقة التي شلت العالَم كلَّه وأضرّت باقتصاده مثل فيروس كورونا بنسخه المختلفة وما سبقه من فيروسات وبائية، فضلاً عن الغلاء وأزمة الحبوب الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية التي أعادت تقسيم العالم إلى معسكرين، حيث تتصارع الدول الكبرى المتنفذة صاحبة القرار الدولي، والتي أوشكت بمواقفها أن تحول المواجهة في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة!
في هذا العالم المأزوم بحروبه وبالسياسات الرامية لاستنزاف بعضه البعض، تزداد أعدادُ الفقراء وأعداد المفقودين والمهجَّرين واللاجئين من ضحايا الاضطرابات والحروب والخلافات السياسية. لقد عجز العالَم عن تسوية أزماته وإنهاء حروبه، بل شارك أحياناً في إشعالها وفي تأجيج نيرانها، ولم يقدم مبادرات إنسانية لوقف معاناة البشر كما كان يحدث من قبل حين كانت الدول تتسابق في تقديم العون ومساعدة المهجرين واللاجئين والمشردين الذين يبدو أن العالم يتجاهلهم في شتاء هذا العام شديد البرودة. 

وفي ظل الغلاء الفاحش شحّتْ الموارد وقلَّت الواردات وانشغل العالَم بالأزمات المتلاحقة والحروب والقلاقل والنزاعات، وما نجم عنها من ارتفاع لأسعار المحروقات. وهكذا أصبحت الحروب والأزمات تنعكس سلباً على الإنسان البسيط الذي بات يتساءل حائراً: مَن يشعل هذه الحروب؟ ومن المستفيد منها؟ ومن أجل ماذا ولماذا؟!
ما هذا العالَم المجنون الذي بات يرتدي أكثر من قناع، وقد طغى على ملامحه الجشع والطمع حتى أصبحت شاشات التلفزة تتنقل من معركة إلى معركة، ومن حرب إلى حرب؟!
وربما كانت دول الخليج العربية الاستثناء الوحيد في عالَم لم يعد يكترث لمعاناة الإنسان، حيث ما فتئت النشرات اليومية تطالعنا بأخبار حول قوافل للمساعدات الإنسانية ترسلها هذه الدول لتوزع الخيرات والمؤن والأرزاق لصالح ضحايا الكوارث والحروب والأزمات. وبدل أن تجد هذه المبادرات الإنسانية دعماً وتشجيعاً من جميع الأطراف المتصارعة، نجد أن بعضهم قد يعرقلها بغرض تمرير أجندته، غير مكترث لمعاناة آلاف المحتاجين. 

والأخطر من هذا أن الدول الكبرى المتنفذة في القرار الدولي أصبحت مثل القبائل أيام الجاهلية؛ القوي يهجم على الضعيف للاستيلاء على ممتلكاته، لكن بأدوات جديدة وحديثة لا ترحم ولا تحترم إلا الأقوى!
إنه عالَم يوشك أن يتخلص من إنسانيته حيث لا رادع يمنعه، لذا ربما أطلق الفيروسات الضارة حيناً أو أطلق الصواريخ بعيدة المدى حيناً آخر، وفي حين ثالث قد يهدد ويتوعد ملوحاً بـ«عالم جديد» لا نعلم ملامحه ولا نفقه نواياه.
في خضم كل هذه التحديات والمصاعب التي يواجهها عالم وصل تعداد سكانه إلى ثمانية مليارات نسمة (حسب إحصائيات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة)، يتحتم على الدول الكبرى أن تضطلع بمسؤوليات جسام تجاه كوكب الأرض وسكانه جميعاً، حيث بات هذا الكوكب مهدداً بكثير من المخاطر. وعلى الجميع أن يثبتوا أن الاقتصاد العالمي لا يعتمد على حروب ونزاعات يكون البشر حطباً لنيرانها التي لا تتوقف ولا أمل في إطفائها قريباً.. بل يقوم على علاقات التكامل والتعاون والإنتاج الخلاق في كل المجالات!

*كاتب سعودي